للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن علي بن أبي منصور (١)

أبو جعفر، الوزير جمال الدين الأَصبهاني.

وزير أتابك زَنْكي، وسيف الدِّين غازي، وقُطْب الدِّين مودود، وكان الحاكم على الدَّولة، و [كان] (٢) بينه وبين زين الدِّين علي كُوجك مصافاة، وعهود ومواثيق، وكانت المَوْصل في أيامه ملجأ لكلِّ ملهوف، ومفزعًا لكل مكروب، ولم يكن في زمانه من يضاهيه، ولا يقاربه في الجُود والنَّوال، والإحسان والإفضال، وكان كثيرَ الصِّلات، غزير البر والصَّدقات، بنى مسجد الخَيف، وغَرِمَ عليه أموالًا كثيرة، وجدَّد الحجر إلى جانب الكعبة، وزخرف البيت بالذَّهب، وبنى أبواب الحَرَم وشيَّدها، ورَفَع أعتابها صيانةً للحرم، وبنى المسجد الذي على جبل عَرَفَة، والدَّرج الذي يَطْلُعُ فيها إليه، وكان النَّاس يعانون في صعودهم شِدَّة، وأجرى الماءَ إلى عرفات، وعمل البرك والمصانع، وأجرى الماء في قنوات، وكان يعطي أهل مكة كلَّ سنة مالًا عظيمًا ليجروا الماء إلى عرفات، وبنى على مدينة رسول الله سُورًا، وكانت الأَعراب تنهبُها وتغارُ عليها، فكان الخطيب يقول على المنبر: اللهم صُنْ حريم من صان حرم نبيك محمد ، وهو محمد بن علي الأَصبهاني.

وكانت صدقاتُه وصِلاتُه في المشرق والمغرب، يبعث بها إلى خُرَاسان، والعراق والبصرة، والكُوفة، وبغداد والشَّام، ومِصر، والحجاز، واليمن، فيعمُّ [الفقهاء و] (٢) العلماء والزُّهَّاد وأرباب البيوت، وغيرهم، وما خيَّبَ رجاء مَنْ قَصَده، وكان له في كلِّ يوم -خارجًا عن أرباب الرَّواتب- مئة دينار يتصدَّق بها على باب بيته، وبنى الجسور والقناطر والرُّبُط بالمَوْصِل، والجسر الذي عند جزيرة ابن عمر بالحجر المنحوت والرَّصاص، وأوثقه بالحديد بين البنيان، وبنى الرُّبُط بالموصل وسِنْجار ونَصِيبين، وكان إذا قلَّ ما بيده باع بُسُطَ داره وثيابَه، وتصدَّق بها، وكان يبعث إلى عمر الملا


(١) له ترجمة في "المنتظم": ١٠/ ٢٠٩، و"مختصر تاريخ دولة آل سلجوق": ١٩٣ - ١٩٥، و"الكامل": ١١/ ٣٠٦ - ٣١٠، "وفيات الأعيان": ٥/ ١٤٣ - ١٤٧، و"الروضتين": ١/ ٤٢٠ - ٤٣٦، و"سير أعلام النبلاء": ٢٠/ ٣٤٩ - ٣٥٠، وفيه تتمة مصادر ترجمته.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).