للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر انحراف ابن طاهر على المستعين]

لم يزل ابن طاهر مجدًّا فِي نصرته حتَّى أيقظَه عبيدُ الله بن [يحيى بن] (١) خاقان، فقال له: هذا الَّذي تنصرُه وتبذلُ روحَك بين يديه، ومالكَ فِي نصرته، أشدُّ الناس نفاقًا، وأخبثهم دينًا، أَمَرَ بُغَا ووصيفًا بقتلِك، فاستعظما ذلك، فسلْ تُخبر، وحسبك دليلًا على نفاقه أنَّه كان بسرَّ من رأى لا يجهرُ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فلمَّا صار إلى بغداد جهرَ بها مداجاةً لك، وتقرُّبًا إليك، فقال محمد: أخزَى الله هذا، فما يصلحُ لدنيا ولا دين.

ولمَّا كان منتصف ذي الحِجَّة خرجَ ابنُ طاهر إلى باب الشمَّاسيَّة فوقفَ هنالك، وجاءَ أبو أحمد بن المتوكِّل وقد ضرب لهما مضرب، فنزلا وتحادثَا طويلًا، واتَّفقا على خلع المستعين، وضمنَ أبو أحمد لابن طاهر فِي كلِّ سنةٍ خمسين ألف دينار، وغَلَّةً بثلاثين ألف دينار، وأن يُقيم على حاله ببغداد، وله ثلث مغلها، وللموالي والأتراك الثلثان، ويولي بُغَا مكة والمدينة والحجاز، ووصيفًا الجبال (٢).

ورجع ابنُ طاهر إلى المستعين، فكاشفه بالخلع، فقال: يا محمد، إنَّما نزلتُ دارك لتجيرني وتنصرني على عدوِّي، فإن لم تفعل ذلك فكفَّ عني، وهذا عنقي والسيف دون الخلع، ما أفسد حالي غيرك. فقال ابن طاهر: أمَّا أنا فأقعد فِي بيتي، وأمَّا أنتَ فلا بدَّ لك من الخلع كارهًا أو مطيعًا، وكان ابن الخَلَنْجِيّ حاضرًا، فقال لابن طاهر وأغلظ له: أتريد أن تخلع قميصًا من قمص الله به أمير المؤمنين، لا ولا كرامة (٣).

[ذكر خلع المستعين]

لما خذله ابنُ طاهر وبغا ووصيف، وضعف أمره، أجابَ إلى الخلع، ولمَّا ناظروه قال له وصيف: أنتَ أمرتنا بقتل باغر، فصرنَا إلى ما نحن فيه، وأنتَ عرَّضتنَا لقتل أوتامش، وقلت: إنَّ محمد بن عبد الله بن طاهر ليس بناصح، وقال له محمد: أنت


(١) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٩/ ٣٤٢.
(٢) فِي تاريخ الطبري ٩/ ٣٤٣: على أن يعطى خمسين ألف دينار، ويقطع غلة ثلاثين ألف دينار فِي السنة، وأن يكون مقامه بغداد حتَّى يجتمع لهم مال يعطون الجند، وعلى أن يولَّى بغا مكة والمدينة والحجاز، ووصيف الجبل وما والاه، ويكون ثلث ما يجيء من المال لمحمد بن عبد الله، وجند بغداد والثلثان للموالي والأتراك.
(٣) وقع فِي سياق الخبر ها هنا خلل وتداخل. فانظر تمامه فِي تاريخ الطبري ٩/ ٣٤٣، ٣٤٤.