كان زاهدًا، عابدًا، ورعًا لطيفًا، يتكلم في الحقيقة، وله مجاهداتٌ ورياضات، وقدم مِصْر، وحَجَّ، وسكن الشَّام، فأقام بقاسيون مُدَّة في زاويةٍ يتعبد، ومعه جماعة من أصحابه، وبلغ به الفقر إلى حالٍ شديدة، ومع ذلك فلم يكن يترددُ إلى أحدٍ من أبناء الدُّنيا، ولا إلى بني عمه ولا يلتفت، ولما ضاق به الحال توجَّه إلى خراسان، واجتمع بملوك التتر، فأحسنوا به الظن، وأعطوه مالًا كثيرًا، وأسْلَمَ على يده خَلْق كثير منهم، وبنى بآمل خانكاه وتربة إلى جانبها، وأقام يتعبَّد، وله قَبُول عظيمٌ هناك، فقال في بعض الأيام: أريد أَنْ أزور جدي محمَّد بن حَمُّوية ببُحَيراباذ، فمضى إليه وزاره، وأقام عنده أسبوعًا، فمات، ودفن إلى جانبه، وقيل: إنه مات سنة خمسين وستّ مئة.
[السنة الثانية والخمسون وست مئة]
فيها وصلتِ الأخبارُ من مكة بأنَّ نارًا ظَهَرَتْ في أرض عدن في بعض جبالها، بحيث يطير شَرَرُها إلى البحر في اللَّيل، ويصعد منها دُخان عظيم في النَّهار، فما شكوا أَنَّها النار التي ذكر النبي ﷺ أنها تظهر في آخر الزَّمان، فتاب النَّاس، وأقلعوا عما كانوا عليه من المظالم والفساد، وشرعوا في أفعال الخير والصَّدقات.
[وفيها أقطع الملك [المعزّ] إيدغدي العزيزي دمياط زيادة على خبزه، وتعمل ثلاثين ألف دينار.
فصل: وفيها توفي شهاب الدين كوجيا، بات وهو يشرب الخمر، فأصبح سكرانًا نائمًا ميتًا.
واتفق الصلح بأن يكون ابن أقسيس، ويلقب بالأشرف هو السلطان، وخطب لهما بمكة، وضربت السكة باسمهما.
وأخذت مدرسة الصَّالح من القاضي بدر الدين، ودفعت إلى ابن عبد السلام.
(١) له ترجمة في "الوافي بالوفيات": ٥/ ١٥١، و "نزهة الأنام": ٢١٧ - ٢١٨، و "النجوم الزاهرة": ٧/ ٣١.