للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَا سيّدي، فلانة اجتزتُ بها في الموضع الفلاني أعطتني شَرْبَةَ ماء فشرِبْتُها، وقليل ماء فتوضأتُ به، اغفرْ لها، وفلان أحسن إليَّ فأحسِنْ إليه. وطَلَعَ الصُّبْح، فصلّى بي، وخرج إلى صخرة كان يجلس عليها، فجلس وبيده سُبْحته، وقام الفقراء يتمِّمون الصخرة، وطلعتِ الشَّمس وقد فرغوا منها، والشيخ قاعدٌ نائم والسُّبْحة بيده، وجاء خادمٌ من القلعة إليه في شُغْل، فرآه نائمًا قاعدًا بحاله، فما تجاسر أن يوقظَه، فقعد ساعة، فطال عليه، فقال: يَا عبد الصَّمد، ما أقدر أقعد أكثر من هذا. فتقدمتُ إليه وقلت: يَا سيدي، سيدي، فما تكلَّم، فحركتُهُ، فإذا به ميتٌ، وقد فرغوا من الصخرة، وعملوا فيها ساعة وهو ميت، وارتفع الصّياح، وكان صاحبُ بَعْلَبَكّ في الصَّيد، فأرسلوا وراءه، فجاء، فرآه على تلك الحال، لا وَقَعَ ولا وقعت السُّبْحة من يده، [وهو كأنه نائم، فقال: دعونا نبني عليه بنيانًا، وهو على حاله ليكون أعجوبة الدنيا أن الإنسان يموت وهو قاعد ولا يتغير] (١)، فقالوا: اتِّباعُ السُّنَّة أَوْلى. وطلع داود، فغسله، ودفع الثَّوبين إلى المرأتين، ولما ألحدوه قال له الحَفَّار: يَا شيخ عبد الله، اذكر ما عاهدتنا عليه. قال: فَفَتَحَ عينيه، ونظر إلي شَزْرًا، ودفن عند اللَّوْزة يوم السبت في العشر الأول من ذي الحِجَّة، وقد جاوز ثمانين سنة، ، ونفعنا به.

قال المصنف : اقتصرنا على هذه اللُّمْعة من فضائله، وكان يستوحش من النَّاس، لما حصل له من الإيناس، فتارةً يكون بجبل لبنان، هاجرًا للأوطان، وتارة بالغسولة وثنية العقاب، يفر من الأسباب، وتارة بضمير، يستنشق روائح الغوير، ولسان حالة يقول: [من الكامل]

وإذا رجعتَ إلى الصَّحيح فَنَجْدُها … قلبي وبين جوانحي أغوارُها

قَتَادة بنُ إدريس (٢)

أبو عزيز، الحسني الزَّيدي، أمير مكة.


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) له ترجمة في "التكملة" للمنذري: ٣/ ١٧، وفيه: وقيل كانت وفاته سنة (٦١٨ هـ)، و"المذيل على الروضتين": ١/ ٣٣٠ - ٣٣١، وفيه تتمة مصادر ترجمته.