قد ذكرنا أنه كان محبوسًا في جُبٍّ بأرض بابِل ومعه أسدان، وقيل: أَسد ولبؤة. وقال ابن الكلبي: كان محبوسًا بفلاة من الأرض، وعلى رأس الجُبِّ صخرة، فأوحى الله إلى بعض أنبياء بني إسرائيل: انطلق فاستخرجْ دانيالَ من الجُبِّ فقال: يا ربِّ، ومن يدلُّني عليه؟ قال: أتانك، فركب أتانه وجاء إلى موضع الجُبِّ فوقفت فقال: يا صاحبَ الجُبِّ، فقال دانيال: قد أسمعت فما تريد؟ فقال: إن الله أمرني أنْ أُخْرِجَكَ، فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى مَن ذكَره، والحمد لله الذي لا يَكِلُ من توكَّلَ عليه إلى غيره، والحمد لله الذي يجازي بالإحسان إحسانًا وبالإساءة غفرانًا. فرفع الصخرة واستخرجه، وقام الأسد واللبؤة يمشيان معه، فعزم عليهما دانيال فرجعا إلى الغَيْضَة.
وقال ابن الكلبي: فنقش دانيال على خاتمه أسدًا ولبؤة، فكان كل وقت ينظر إليهما لئلا ينسى نعم الله عليه ويشكره على إحسانه إليه. ثم إن دانيال عاد إلى القدس فأقام مدة فعصوا وأفسدوا وعادوا إلى شرٍّ مما كانوا عليه، فسلط الله عليهم أنطياخوس الرومي، ففعل بهم كما فعل بُخْت نَصَّر، وهي آخر مرة في قوله تعالى: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ [الإسراء: ٤]. قاله وهب بن منبه. قال: وعاد دانيال إلى العراق فمات بالسُّوس، ولما فتحها أبو موسى الأشعري في سنة سبع عشرة من الهجرة في زمان عمر ﵁ على يد أبي سَبْرَة بن أبي رُهْم، دخل أبو موسى إلى قبره فإذا ركبته تحاذي رأس أبي موسى وأنفه ذراع وكانوا يستسقون به فيسقون، وكتب أبو موسى إلى عمر يخبره به، فكتب إليه بمواراته ودفنه، ووجدوا في إصبعه خاتمًا من فضة عليه صورة الأسد واللبؤة.
قال وهب: وهذا دانيال الأصغر، فأما الأكبر فكان بين نوح وإبراهيم وهو الذي حفر دجلة والفرات وقد ذكرناه.