للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذو الهيبة، فيُقدِّم عليه الحدَثَ لأجل سَبْقِه، ثم يقرأ الحديث بنفسه، فلا يزال كذلك حتَّى يبلغ النِّهايةَ من جهده، وهو جالسٌ على حالةٍ واحدةٍ لا يعبَثُ بشيءٍ من أعضائه، ولا يُمازح أحدًا، وكان مع أهله على هذا الوصف، وأقام عشرين سنة لم يضحك، وكتب إليه أبو حامد الإسفراييني رُقعةَ شفاعةٍ فِي رجل يقرأ القرآن، فغضب ورمى الرُّقعة من يده، وقال: لا أقرأ القرآن بشفاعة.

وكانت وفاتُه فِي شوال، وقد بلغ اثنتين وثمانين سنة، ودُفِنَ فِي مقبرة جامع المنصور، وكان إمامًا زاهدًا عابدًا ورعًا ثقةً.

محمد بن الحسين (١)

ابن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أبو الحسن، الشريف، الرضي، الموسوي، ولد سنة تسع وخمسين وثلاث مئة، وحفظ القرآن فِي مدَّةٍ يسيرةٍ بعد أن جاوز ثلاثين سنة، وعرف الفقه والفرائض والنحو واللغة، وقال الشِّعر وترسَّل، وكان عاليَ الهِمَّة، متديِّنًا صالحًا ورِعًا، ولقَّبه بهاءُ الدولة برضي الدين أبي الحسين، ووَليَ نقابةَ الطالبيين ببغداد، وكان جوادًا سمحًا ممَدَّحًا، طاهرَ العِرض، نقيًّا من الدَّنس، وصنَّف كتُبًا كثيرةً، منها: كتابٌ فِي معاني القرآن، يتعذَّر وجودُ مثله.

وبلغ من ورعه أنَّه اشترى جزءًا من امرأة بخمسة دراهم، فوجد فيه جزءَ أبي علي بن مُقْلة، فأرسل إلى المرأة وقال: قد وجدتُ جزءًا بخطِّ ابن مُقْلَة قيمتُه خمسةُ دنانير، فإنْ شئتِ خُذي الجزء، وإنْ شئتِ خمسة دنانير. فقالت المرأة: أنا بِعْتُ الجزءَ بما فيه بخمسة دراهم، ولا آخذُ شيئًا. فألحَّ عليها، فأخذتِ الدنانير، ودَعَتْ له.

وقال الخالع: مدحتُ الرضيَّ بقصيدةٍ، فجاءني غلامُه بتسعةٍ وأربعين درهمًا، فقلت: لا شكَّ أنَّ الغلام خانني. فلمَّا كان بعدَ أيام اجتزتُ بسوقِ العروس، فرأيتُ رجلًا يقول لآخر: اشترِ هذا الصحن فإنه يساوي خمسةَ دنانير، ولقد أُخرج من دار


(١) تاريخ بغداد ٢/ ٢٤٦ - ٢٤٧، والمنتظم ١٥/ ١١٥ - ١١٩، ويتيمة الدهر ٣/ ١٥٥ - ١٧٨. وينظر السير ١٧/ ٢٨٥.