للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الثالثة والثمانون]

فيها كانت وَقْعةُ دَير الجَماجم، كان جَبَلَة بن زَحْر وكُمَيل بن زياد على القُرَّاء، وكان الكُمَيْل له صَولةٌ في الحرب، وخرج ابن الأشعث وقد عَبَّى أصحابَه سبعَ صفوف بعضها في إثر بعض، وبعث الحجاج إلى كَتيبة ابنِ زَحْر ثلاث كتائب، عليها الجَرَّاح بن عبد الله الحَكَميّ.

ونادى عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه: يا معاشر القُرَّاء، إن الفِرارَ ليس بأحد من الناس أقبح به منكم، قاتلوا هؤلاء المُحِلِّين الظالمين المبتَدِعين.

ونادى أبو البَخْتَري: أيها الناس، قاتلوا عن دينكم ودنياكم، فوالله لئن غَلبوا عليكم ليُفْسِدُنَّ عليكم دينكم، وليَغْلِبُنَّ على دُنياكم.

ونادى الشعبي: يا أهل الإسلام (١): قاتلوا أهلَ العُدوان، ولا تأخُذْكم فيهم لَومةُ لائم، فوالله ما أعلم على بَسيط الأرض قومًا أعمَلَ بظُلمٍ ولا جَورٍ منهم.

ونادى سعيد بن جبير: قاتلوهم ولا تأثَّموا في قتالهم على جَورهم في الأحكام، وتجَبّرِهم في الدين، واستِذلالهم الضُّعفاء، وإماتتهم الصلاة، وإحيائهم البدع.

واشتدّ القتال، فحمل جَبَلَةُ بن زَحْر عليهم، وغاص فيهم فقتلوه، ولما رآه الوليد بن نجيب (٢) الكلبي -وكان رجلًا جَسيمًا، وجَبَلَةُ رَبْعة- فالتقاه، فضربه الوليد على رأسه، فوقع (٣)، وقيل: قتله الحارث بن جَعْوَنة (٤)، وقيل: لم يُعرف قاتُله، وحُزَّ رأسُه، وحُمل إلى الحجاج، فحمله على رمحين وقال:

يا أهل الشام، أبشِروا، فهذا أوَّلُ الفتح، والله ما كانت فتنةٌ قط فخَبَتْ حتى يُقتَل فيها عظيمٌ من عُظماء أهل اليمن، وهذا من عظمائهم، فسُقط في يد أصحاب جبل،


(١) في (خ): الشام؟!
(٢) في الطبري ٦/ ٣٦٠: الوليد بن نُحَيت.
(٣) في الكلام اختصار كبير، ولعل فيه سقطًا، فقولُه: ولما رآن الوليد … هو رواية أخرى لمقتل جَبَلَة. انظر تاريخ الطبري ٦/ ٣٥٨ - ٣٦٠.
(٤) انظر أنساب الأشراف ٦/ ٤٥٧.