للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال عمر رضوان اللَّه عليه للرجل: الحق بناحية أهلك حتى يَقدم فُلان (١).

وكان بالمدينة رجلٌ يُقال له: جَعْدَة؛ يتعرَّضُ للنّساء يَلبس الحُلَّة، ويُرَجِّل شَعره، وكان عمر قد جَهَّز جيشًا إلى الشام للغزو، وبلغ الأنصار الذين في الجيش خبرُ جَعْدَة، فكُتب إلى عمر رضوان اللَّه عليه: [من الوافر]

ألا أبلغْ أبا حَفْصٍ رَسولا … فدًى لك من أخي ثِقَةٍ إزاري

قَلائِصَنا هَداك اللَّه إنّا … شُغِلْنا عنكمُ زَمنَ الحِصارِ

يُعَقِّلُهُنَّ جَعْدةُ شَيْظَمِيٌّ … وبئس مُعَقِّلُ الذَّوْدِ الظُّؤارِ

فلما وقف عمر رضوان اللَّه عليه على الأبيات سأل عن الرجل، فدُلَّ عليه، فجزَّ شَعره، ونفاه عن المدينة (٢).

ذكر تواضع عمر -:

قال أحمد بإسناده عن عُبيد اللَّه بن عباس قال: كان للعباسِ مِيزابٌ على طريقِ عمر، فلبس عمرُ ثيابَه يومَ الجمعة، وقد كان ذُبِحَ للعباس فَرْخان، فلما وافى المِيزابَ صُبَّ ماءُ دمِ الفَرْخَين فيه، فأصاب عمرَ، فأمر بقَلْعهِ، ثم رجع عمر فطرح ثيابه ولبس غيرها، ثم جاء فصلّى بالناس، فأتاه العباس فقال له: واللَّه إنَّه الموضع الذي وضعه رسولُ اللَّه ، فقال عمر للعباسِ: وأنا أعزِمُ عليك إلا صَعدتَ على ظهري، حتى تضعه في الموضعِ الذي وضعه فيه رسول اللَّه ، ففعل العباسُ ذلك (٣).

قدم الأَحْنَف بن قيس المدينة، فقال له عمر رضوان اللَّه عليه: أين نزلتُم؟ قال: في مكان كذا وكذا، قال الأحنف: فقام معنا حتى انتهى إلى مُناخ رِكابنا، فجعل ينظر إلى الرّكاب ويقول: ألا اتَّقيتُم اللَّه فيها، أما علمتم أن لها عليكم حقًا، ثم انصرف راجعًا فلقيه رجل فقال: أعْدِني على فُلان فقد ظلمني، انطلق معي إليه، فخفق رأسَه بالدِّرَّة فقال: تَدَعون عمر وهو مُعرَّضٌ لكم (٤)، حتى إذا اشتغل بأمور المسلمين أتيتموه


(١) اعتلال القلوب ٣٣٩، وأنساب الأشراف ٩/ ١٠٥.
(٢) طبقات ابن سعد ٣/ ٢٦٦، وأنساب الأشراف ٩/ ١٠٣ - ١٠٥.
(٣) مسند أحمد (١٧٩٠).
(٤) في (خ) و (ع): معرض عنكم، والمثبت من تاريخ دمشق ٥٣/ ٢٤٨. وهذا الخبر وما بعده، إلى ذكر جملة من كلامه، ليس في (ك).