للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر وصولهم إلى البصرة]

حكى سيف عن أشياخه قالوا: كان علي في همٍّ من توَجُّه القوم، لا يَدري أين يأخذون، وكان إتيانُهم البصرةَ أحبّ إليه، لأن الكوفة بها رجالُ العرب وأشرافُهم، فقال له ابن عباس: إن الذي يَسرُّك من ذلك يَسوؤني، قال: ولمَ؟ قال: لأن الكوفة فُسطاط الإسلام، وبها أعلامُ الناس، وفيهم من تَسمو هِمَّتُه إلى الأمر، فربما فسد الأمر أو مال إليهم، فقال علي: الأمر يَختصّ بأهل السَّوابق، فلا يُزاحمهم غيرُهم.

وقال سيف: حدثني محمد وطلحة قالا: لما كان القوم بفناء البصرة، لقيهم عمير بن عبد الله التميمي، فقال لعائشة: يا أمَّ المؤمنين، أما تَتَّقِين اللهَ في فِعلك هذا؟ فقالت: إليك عني يا تميمي، فقال لها: أنشدك الله إذا أنت لا تهوّني هذا الأمر أن تَقدَمي على قوم ولم تُراسِليهم أو أحدًا منهم، فقالت: جئتَ الآن بالرأي، فقال: أرسلي إليهم عبد الله بن عامر، فإن له فيهم الصَّنائع، فكتبت كُتبًا إلى رجالٍ من البصرة؛ منهم الأحنف بن قيس وصَبْرة بن شَيمان وغيرهما، ومضت حتى إذا كانت بالحُفَير أقامت تنتظر الجواب.

قال سيف: ولما بلغ عثمان بنَ حُنَيف عاملَ علي على البصرة قال لعمران بن الحُصَين وأبي الأسود الدِّيلي: انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمَها، وإلى هؤلاء القوم فاعلموا علمَهم، فخرجا حتى انتهيا إليها وهي بالحُفَير، فاستأذنا عليها فأذِنت لهما، فدخلا وسلّما وقالا: إن الأمير أرسلنا إليك، نسألُك عن مسيرك هذا، فهل أنت مُخبِرتنا؟ فقالت: أمثلي يسير بالأمر المكتوم؟

إن الغَوْغاء من أهل الأمصار ونُزّاع القبائل غَزَوْا حريمَ رسول الله ، وأحدثوا فيه الأحداث، وآوَوْا فيه المحدثين، واستوجبوا لعنةَ الله ورسوله، مع ما نالوا فيه من قتلِ أمير المؤمنين، واستحقُوا الدّمَ الحرام، والشهرَ الحرام، وانتهبوا المال الحرام، ومزَّقوا الأعراض، وقتلوا إمامَ المسلمين من غير تِرةٍ ولا حَدثٍ ولا عُذرٍ، وأقاموا في دار قوم كارهين لمقامهم، ضارِّين غير نافِعين، لا يَقدرون على الامتناع، ولا يأمَنون على النفوس والأموال، فخرجتُ في المسلمين أُعلمهم ما أتى هؤلاء القوم، وما فيه