للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَرو، فإنَّه بناها ذو القَرنَين ودَعا لها بالبَركةِ وأن لا يَضُرَّ أهلَها سُوءٌ" (١).

وقال الكلبي: أوَّلَ من عمِل جسرًا على جَيحون الإسكندر، لأنَّه لما عاد من الظلمات قصد خراسان فوصل إلى نهر بَلخ، فلم يقدر على العبور عليه، فأمر بشق الخشب الغلاظ وترقيقها، وأمر الحدادين فضربوا المسامير، وعمل السفن الكبار، وقيل: كانت خمس مئة سفينة، ثم أمر الحبالين ففتلوا الغلاظ من الليف والقنب، وعمل الجسر في أضيق مكان، ووضع عليه السلاسل وألقى على السفن التُّراب والحشيش، وأقام أيامًا حتَّى عبر عسكره من الجانب الشرقي إلى الغربي، ودخل خراسان، ولم يخرج من المشرق حتَّى هدم بيوت النيران ودعا إلى التوحيد والإيمان، وجاهد الكفار وجمع الأموال ليقوي بها الجيوش على الجهاد، لا حرصًا على الدُّنيا. قال ابن عباس: ولو لم يكن له إلا بناء السد الذي حفظ به المسلمين، وحماهم به من يأجوج ومأجوج.

وقال السدِّيُّ: لما رجع من المشرق قصد بلاد الروم، فدفن بها الأموال وكنز الكنوز، وكان يكتب على كل كنز طلسمًا ويذكر عدد ما فيه.

[فصل في وفاته]

قال علماء السير: لما علم ذو القرنين أنَّ عين الحياة قد فاتته وحظى بها الخضر اغتم غمًّا شديدًا فقال له الحسَّاب: لا بأس عليك، فإنَّك تعمِّر طويلًا ثم تموت على أرض من حديد، وفوقك سماء من خشب. فلمَّا عاد من الروم قصد أرض بابل، فبينما هو يسير على دابته إذ رعف فسقط عن فرسه، فبسط له درع من حديد، وكانت صفائح صفائح فنام على الدرع، فآذته الشَّمس فجاؤوا بترس فأظلوه به، فنظر فإذا تحته حديد وفوقه خشب، فأيقن بالموت فأمر أن يُكتَبَ إلى أمِّه كتاب تعزية عن نفسه (٢).


(١) أخرجه أحمد (٢٣٠١٨)، وهو حديث لا يصح عن رسول الله كما قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" ١/ ٣٠٨ - ٣٠٩.
(٢) انظر "المنتظم" ١/ ٣٠٠.