للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في سنة خمسٍ وخمسين ومئة.

مِشعر بن كِدَام بن ظُهير

أبو سلمة، الكوفيُّ الزاهد العابد، ذكره ابن سعد في الطبقة الخامسة من أهل الكوفة، قال: وقال سفيان بن عيينة: رأيتُ مسعرًا، وربَّما يجيئه الرجلُ فيحدِّثه بالشيء هو أعلم به منه، فيتسمَّع له وينصت.

قال: وقال الهيثم: لم يسمع مِسعرٌ حديثًا قط إلَّا في المسجد الجامع، وكانت له أمٌّ عابدةٌ، وكان يحملُ لها لِبْدًا ويمشي معها حتَّى يدخلا [المسجد]، فيبسط لها اللِّبد، فتصلّي، ثم يعودُ فيحمل اللبدَ معها إلى بيتها (١).

وحكى أبو نعيم عن سفيان الثوري أنَّه قال: ما رأيتُ في زمانِه مثله.

قال: وقال سفيانُ بن عيينة: ما لقيتُ أحدًا أُفَضله عليه (٢).

قال: وقال ابنُه محمد بن مسعر: كان أبي لا ينامُ حتَّى يقرأَ نصف القرآن (٣).

وكان يخفي أعماله ويقول: أشتهي أنْ أسمعَ صوتَ باكيةٍ حزينة (٤).

وروى ابن أبي الدنيا قال: بكى مسعرٌ يومًا، فبكت أمُّه، فقال لها: يا أمَّاه، ما أبكاكِ؟ فقالت: رأيتُك تبكي فبكيتُ لبكائك، فقال: يا أمَّاه، لمثلِ ما نهجمُ عليه غدًا فلنُطِلِ البكاء، قالت: يا بنيَّ، وما هو؟ قال: القيامة وما فيها.

وكان لا يزال باكيًا طول دهره، وما كان له مأوى إلَّا المساجد (٥).

وقال سفيان بن عيينة: قال رجل لمسعر: أتحبُّ أن يخبركَ الرجلُ بعيوبك؟ فقال: إنْ كان ناصحًا فنعم، وإن كان يريدُ أن يوبِّخني فلا (٦).


(١) طبقات ابن سعد ٨/ ٤٨٤ - ٤٨٥.
(٢) حلية الأولياء ٧/ ٢٠٩.
(٣) حلية الأولياء ٧/ ٢١٦.
(٤) حلية الأولياء ٧/ ٢١٨.
(٥) في طبقات ابن سعد ٨/ ٤٨٥: ولم يكن له مأوى إلَّا منزله والمسجد.
(٦) حلية الأولياء ٧/ ٢١٧.