للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يُزعج خالد أهلَ العراق لوصيّة أبي بكر، وإنما كان يَسبي أولادَ المقاتلة، وسار المثنى بن حارثة حتى انتهى إلى النهر المعروف بنهر المرأة، وعليه حصن فيه امرأة، فحاصره، وفتحه، وتزوَّج المرأة.

[قصة الحيرة]

كان بها مرزبان يقال له: آزاذبه، وقد بلغ نصف الشَّرَف، وقيمةُ قَلَنْسوته خمسون ألفًا، فلما أخرب خالد أَمْغِيشيا علم أنه غيرُ مَتروك، فتهيّأ للحرب، وقَدَّم ابنَه، ثم خرج في أثره، فعسكر خارجًا من الحيرة، وتُسمّى الحيرة فُرات بادَقْلَى وأمر ابنَه بسدّ الفرات، وأقام ابنُ آزاذبه على جانب الفرات، [ولما استقل خالد من أمغيشيا، وحمل الرجال في السفن مع الأنفال والأثقال، لم يفجأ خالد إلا والسفن جوانح، فارتاعوا لذلك، فقال الملّاحون: إن أهل فارس فجّروا الأنهار، فسلك الماء غير طريقه، فلا يأتينا الماء إلا بسدّ الأنهار، فتعجّل خالد في خيل نحو ابن آزاذبه، فتلقاه وجنده على فم فرات بادَقْلَى، فاقتتلوا فأنامهم، وفجّر الفرات] وسدّ الأنهار (١)، فعاد الماء إلى مجراه فجرت السفن، وبلغ آزاذبه مُصابَ ابنه، فقطع الفرات إلى المدائن.

وجاء خالد فنزل الخَوَرْنق والسَّدير والنَّجف، وحاصر قُصور الحِيرة، ودفع كلَّ قصر إلى قائدٍ من قُوَّاده، فحاصر ضرار بن الأزور القصر الأبيض، وفيه إياس بن قَبيصة الطائي - وقد ذكرنا وفاة ضرار بن الأزور فيما تقدَّم، فإن صحّت هذه الرواية فقد تأخَّرت وفاتُه - وحاصر ضرار بن الخطاب قصرَ الفرس (٢)، وفيه عَديّ بن عَديّ، وحاصر المثنّى بن حارثة قصر ابن بُقَيْلة [وفيه] عبد المسيح، [فدعوهم جميعًا]، وأَجَّلُوهم يومًا، فأبى [أهلُ] الحيرة، فناوشهم المسلمون.

فكان أوَّل القُوَّاد أنشب القتال ضرار بن الأزور، وصَبَّح كلُّ أميرٍ ثَغْرَه، فأكثروا فيهم القتل، فصاحوا: كُفُّوا عنا، وأوّلُ من طلب الصلح عبد المسيح بن بقيلة (٣)، ونزل أشرافُهم إلى خالد، فخيَّرهم بين الدُّخول في الإِسلام، وبين [الجزية، وبين]


(١) ما بين معكوفين من تاريخ الطبري ٣/ ٣٥٩.
(٢) وكذا جاء في المنتظم ٤/ ١٠٤، وفي الطبري ٣/ ٣٦٠: العدسيّين.
(٣) في الطبري ٣/ ٣٦١، والمنتظم ٤/ ١٠٤: عمرو بن عبد المسيح، وقد سلف لعبد المسيح ذكر، وسؤال خالد له.