للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمة كي يرجعوا فأبَوا، وأنذرتُهم فلم يُبالوا، وتأنّيتُ بهم فلم يَنظروا لنفوسهم وللمسلمين في مصلحة، وإنهم يَتهدَّدوني بالحرب، والآن فقد أنصفَ القارة مَن راماها (١)، وإني على بَيِّنةٍ من ربي من النّصر عليهم، والظَّفَر بهم، ومَن لم يُقتَل يَمُت، والذي نفسي بيده لألفُ ضربةٍ بسيف أهونُ عليَّ من الموت على فراشي.

ثم رفع يديه وقال: اللهمَّ إن طلحة أعطاني صَفقةَ يمينه طائعًا، ثم نَكث بيعتي، اللهمَّ فعاجله، اللهمَّ إن الزبير قطع قرابتي، ونَكث بَيعتي، وظاهر عدوّي، ونصب إلي الحرب بغيًا وعدوانًا، وهو ظالم لي، فاكفنيه بما شئت، ثم تمثّل، وقيل إنهما له: [من الخفيف]

إن يومي من الزبير ومن طلـ … ـحة فيما يسوؤني لطويلُ

ظَلماني ولم يكن علم اللـ … ـــــه إلى الظُّلمِ حاجةٌ وسبيلُ (٢)

[ذكر اجتماع أمير المؤمنين بالأحنف بن قيس]

قال سيف: ولما نزل أمير المؤمنين قريبًا من البصرة جاءه الأحنَفُ بنُ قيس وبنو سعد؛ وقد منعوا حُرقوصَ بن زهير من القتل، وهم لا يُريدون القتال مع أحد من الفريقين، فقال: يا أمير المؤمنين، إن قومًا يَزعمون أنك إن ظهرتَ غدًا عليهم أنك تقتل رجالهم وتَسبي نساءهم، فقال: ما مثلي من يُخاف منه مثلُ هذا، وهل يجوز ذلك إلا في مثل مَن تولَّى وكفر؟! وهم قومٌ مسلمون.

وقال له الأحنف: اختر مني واحدة من اثنتين: إما أن آتيك فأكون معك بنفسي، وإما أن أكفَّ عنك عشرة آلاف سيف، فقال: لا بل هذه، فخرج الأحنف وهو يقول -أو قال: يا لَخِنْدِف، فأجابه قوم، ثم نادى: يالَ تميم فأجابه آخرون، ثم نادى يالَ سعد فلم يبق لسعدي إلّا وأجابه، فاعتزل ناحية عن الناس.

وقد ذكر الطبري للأحنف أخبارًا كثيرة في اجتماعه بأمير المؤمنين (٣).


(١) مثل، انظر جمهرة الأمثال ١/ ٥٥.
(٢) ديوان علي ٨٤.
(٣) تاريخ الطبري ٤/ ٤٩٦ - ٥٠٠.