للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر أبو القاسم بن عساكر في تاريخه عن ابن عباس، عن رسول اللَّه بمعناه، فقال: هبط عليَّ جبريل وعليه طِنفسَةٌ، وهو مُتخلِّلٌ بها فقلتُ: "يا جبريلُ، ما نزلتَ إليَّ في مثل هذا الزيِّ! " فقال: إن اللَّه أمر الملائكةَ أن تتخلَّل في السماء؛ لتخلُّلِ أبي بكرٍ في الأرض (١).

فصل في حديث وَرَعِه:

قال أبو نُعيم بإسناده عن زيد بن أرقم قال: كان لأبي بكرٍ مملوكٌ يَغلُّ عليه، فأتاه ليلةً بطعامٍ، فتناول منه لقمةً، فقال له المملوكُ: مالك كُنتَ تسألُني كلَّ ليلةٍ، ولم تسألني الليلة؟ قال: حملني على ذلك الجوعُ، من أين جئتَ بهذا؟ قال: مررتُ بقومٍ في الجاهلية، فرَقيتُ لهم فوعدوني، فلما أن كان اليوم مررتُ بهم، فإذا عرسٌ لهم، فأعطوني، فقال: أفٍّ لك، كدتَ تُهلكني، فأدخل يده في حلْقه، فجعل يتقيّأ، وجعلتْ لا تخرج، فقيل له: إن هذه لا تخرج إلا بالماء، فدعا بعُسٍّ من ماءٍ، فجعل يشرب ويتقيّأ، حتى رمى بها، فقيل له: يَرحمك اللَّه، كلُّ هذا من أجل لُقمةٍ؟ فقال: لو لم تَخرُج إلا مع نفسي لأخرجتُها، سمعتُ رسولَ اللَّه يقول: "كلُّ جسدٍ نَبت من سُحْتٍ فالنارُ أولى به" فخشيتُ أن يَنبتَ شيءٌ من جسدي من هذه اللقمة (٢).

وقد أخرج البخاري في أفراده عن عائشة بمعناه، وفيه: كان لأبي غلامٌ يَغُلُّ عليه، وكان أبي يأكلُ من خَراجه (٣)، والخراج: الضَّريبةُ التي يَتَّفق العبدُ مع سيِّده عليها، يؤدّيها إليه، والكهانة: تعاطي علم الغيب.

وقد ذكرنا أن أبا بكرٍ كان أول من تاجر مخافة أكل الحرام.


(١) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٥/ ٤٤٢، ومن طريقه ابن عساكر ٣٥/ ١٦٣ - ١٦٤ من طريق محمَّد بن عبد اللَّه بن إبراهيم بن ثابت الأشناني، عن حنبل بن إسحاق، عن وكيع، عن شعبة، عن الحجاج، عن مقسم، عن ابن عباس. وقال الخطيب عقبه: ما أبعد الأشناني من التوفيق، تراه ما علم أن حنبلا لم يرو عن وكيع، ولا أدركه أيضًا، ولست أشك أن هذا الرجل ما كان يعرف من الصنعة شيئًا، وقد سمعت بعض شيوخنا ذكره فقال: كان يضع الحديث، وأنا أقول: إنه كان يضع ما لا يحسنه، غير أنه، واللَّه أعلم، أخذ أسانيد صحيحة من بعض الصحف فركب عليها هذه البلايا، ونسأل اللَّه السلامة في الدنيا والآخرة.
(٢) حلية الأولياء ١/ ٣١، والمنتظم ٤/ ٦٢.
(٣) صحيح البخاري (٣٨٤٢).