للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبد الله بن المُقَفَّع

واسمه داذَوِيه من أهل فارس، كان مجوسيًّا، وإنما سمّي المقفَّع لأنه ولي للحجاج ولاية، فمد يده وأخذ المال، فعذّبه الحجاج حتى تقَفَّعَتْ يدُه، وحرص على تأديب ولده عبد الله، وكان يجمع له العلماء.

وكان عبد الله فصيحًا جوادًا، وجاءت الدولة وقد مات أبوه فصحب بني علي بن عبد الله بن عباس، وكان يكتب لهم، وكتب أيضًا لأبي جعفر.

وكان بليغًا، وهو أول من رتب الخطب وقال: شرِبتُ من الخطب رِيًّا، ولم أضبط لها رَويّا، فغاضت ثم فاضت، فليست هي نظامًا، ولا في غيرها كلامًا.

وجاء إلى عيسى بن علي فقال له: قد دخل الإسلام في قلبي، وأريد أن أسلم على يدك، فقال له عيسى: ليكن ذلك بمحضر من القوَّاد ووجوه الناس، فإذا كان غدًا فاحضر، ثم حضر طعام عيسى عشية ذلك اليوم، فجلس يأكل ويزَمْزِم على عادة المجوس، فقال له عيسى: أتزمزم وأنت على عزم الإسلام؟ فقال: أكره أن أبيت ليلةً على غير دين، فلما أصبح أسلم على يده.

وكان مع فضله يُتَّهم بالزندقة، وكان بعد أن أسلم إذا مرّ ببيت النار للمجوس يتمثل: [من الكامل]

إني لأمنَحُكَ الصُّدودَ وإنني … قسمًا إليكَ مع الصُّدود لأَمْيَلُ (١)

وكان محمد المهدي يقول: ما وجدتُ كتابَ زَنْدَقة إلا وأصله ابن المقفع.

وقد صنَّف المصنفات الحسان، منها: "الدرة اليتيمة" التي لم يُصنَّف في فنِّها مثلها، وكان له الكلام البليغ، فمن كلامه:

ينبغي لمن خَدَم السلطان ألا يغتر به إذا رضي، ولا يتغير له إذا سَخِط، ولا يستثقل ما حَقَله، ولا يُلْحِف في مسألته.

وقال: لا تكن صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك لنفسك، وكن حافظًا إذا ولاك، أمينا إذا ائتمنك، راضيًا إذا أسخطك، ومع هذا فالحذر من صحبته كل الحذر.


(١) البيت للأحوص، وهو في ديوانه ص ١٦٦.