وقال: لا تغُرَّنَك سَعَةٌ تكون فيها؛ فإن أعظم الناس خطرًا مَن يدبر في ما في يده (١)،
والملوك إلى حسن التدبير أحوج إليه من السُّوقة؛ فإن السوقة قد تعيش بغير مال، والملوك لا بد لهم من المال، ولا قِوام لهم إلا به.
وقال: لا ينبغي للملك أن يغضب؛ لأن القُدوة من وراء حاجته، ولا أن يكذب؛ لأنه لا يقدر أحد على استكراهه على ما لا يريد، ولا أن يبخل؛ لأن البخل مذموم، ولا أن يكون حَقودًا؛ لأن خطوه يَجلُّ عن المجاراة.
وقال: من أوقع الأمور في الدين، وأنهكِها للجسم، وأتلفِها للمال، وأفسدِها للعقل، وأذهبِها للوقار؛ الغَرامُ بالنساء، ومن البلاء على المُغرَم بهن أنه لا ينفكُّ يَسأم فيما عنده، وتَطمَح عيناه إلى ما ليس عنده، وربما هجم على ما يظنه حسنًا وهو قبيح، حتى لو لم يبق في الأرض إلا امرأة واحدة ظن أن لها شأنًا غير شأن مَن ذاقه، وهذا غاية الحُمْق.
وقيل له: مَن أدَّبَك؟ قال: نفسي، إذا رأيتُ شيئًا أذُمُّه من غيري اجتنبتُه.
وحضر يومًا مَأدُبة فيها معن بن زائدة، وفيها جواري يغنّين، فغنت واحدة بمعن فأعطاها ألف دينار، وغنَّت أخرى لابن المقفع فأعطاها مئة ألف درهم، فقال معن: لله در الفارسي فلقد بَرَّز علينا.
واجتمع ابن المقفع بالخليل بن أحمد، فقيل للخليل: كيف رأيتَه؟ فقال: علمُه أكثر من عقله.
ذكر مقتله:
كان ابن المقفَّع يعيب سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلَّب عامل البصرة، وينال من أمه -وهي ميسون بنت المغيرة بن المهلَّب- ويقول: يا ابن المُغْتَلِمَة، والله ما اكتفت أمك برجال العراق حتى نكحها رجال أهل الشام.
وكان أنف سفيان كبيرًا؛ فكان ابن المقفع إذا دخل عليه قال: السلام عليكما، يعني نفسَه وأنفَه.
(١) في الأدب الكبير لابن المقفع ٦٧، والمنتظم ٨/ ٥٣: فإن أعظم الناس خطرًا أحوجهم إلى التقدير.