وبعث صاحب مصر غلامًا له يقال له: الفضل لحصار دمشق، فاجتمع به أبو تغلب وكانا على ظهور خيولهما، ووعده الفضل عن صاحب مصر بكلِّ خير، وسأله المسير إلى دمشق فامتنع، وسار الفضل إلى دمشق فلم يتمّ له أمر، فعاد.
وكان بالرَّمْلَة المُفَرِّج بن دَغْفَل الطَّائيّ قد استولى عليها، فسار إلى بني عُقيل ليواقِعَهم، فلجؤوا إلى أبي تغلب فأجارهم، وحشد المفرّج والفضل، وسار إليهم أبو تغلب على باب الرملة يوم الخميس لليلةٍ بقيت من صفر، فانهزمت بنو عُقيل، وضَعُف أمر أبي تغلب، وفارقه مَن بقي معه من الأتراك إلى العراق، وبقي من غِلمانه الحَمَدانية سبعُ مئة فارس، فقاتل، فضرب بعضُ الصعاليك فَرسَه من ورائه فوقع، فأخذه المفرّج أسيرًا، فشدَّ يديه ورجليه بسِلسلةٍ على ناقة، وأضمر أنَّه يُبقي عليه، وسمع به الفضل فجاء ليأخُذَه من المفرّج، فامتنع من تسليمه وقال: تُريد أن تتقرَّب به إلى صاحب مصر؟! فأناخ الناقةَ، وضربه بيده بسيفه حتَّى قَتله، وجاء بعض الأعراب فقطع يديه ورجليه؛ لأنه كان قد فعل بولَدٍ له كذلك.
وأخذ الفضل رأسَه، وسار به إلى مصر، وبعث المفرج بأُخته جميلة وعياله إلى حلب، فبعث بها ابنُ سيف الدولة إلى عضد الدولة، فحُبِست في دار المملكة، وأخذ الله بالثأر لناصر الدولة وأولاده من أبي تغلب، وصار عِبرةً للعالمين، وبيتُ الظَّالمِ خراب ولو بعد حين (١).
محمَّد بن صالح
ابن عليّ بن يحيى بن عبد الله، أبو الحسن، القاضي، القُرَشيُّ، الهاشمي، العباسي، ويعرف بابن أمِّ شَيبان.
أصله من الكوفة، وأمُّ شَيبان هي والدة يحيى بن عبد الله جدِّ أَبيه، اسمها كُنيتها، وهي بنت يحيى بن محمَّد بن إسماعيل بن محمَّد بن يحيى بن زكريا بن طلحة بن عبيد الله التَّيمي، وأمُّ زكريا بن طلحة أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق ﵁.
(١) تاريخ دمشق لابن القلانسي ١٨ - ٤٠، والكامل ٨/ ٦٩٩، وتاريخ الإِسلام ٨/ ٢٧٠ و ٢٩٢، والسير ١٦/ ٣٠٦.