للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقعة الجسر]

ولما عاد نَرْسي إلى المدائن مهزومًا جهز رستم بَهْمَن جاذويه، وأعطاه درفش كابيان -راية أفويدون، وهي راية كسرى العُظمى، وكانت الفُرس تتيمَّن بها- فنزل على شرقي دجلة، وأقبل أبو عبيد فنزل غربي دجلة، بمكان يقال له: المَرْوَحَة، مقابلًا لبَهْمَن جاذويه، فأرسلوا إلى أبي عبيد: إما أن تَعبروا إلينا أو نَعبُر إليكم، فقال أبو عبيد: بل نحن نَعبر إليكم، وترك الرأي، ولامه المسلمون، وقالوا: لا، بل هم يَعبرون إلينا كما فعل بهم خالد، فقال أبو عبيد: لا يكونوا على الموت أجرأ منا، فعَبر أبو عبيد والمسلمون على جسر نصبوه لهم، في مكان ضيّق المَطْرَد، وقطع الجسرَ أبو عبيد، وقيل: غيره، فقال له سلمة بن أسلم: أيها الرجل، إنه ليس لك علم بما ترى، وقد خالفتنا، فسوف تهلك وتُهلكنا بسوء سياستك، وقال له سليط: ستعلم، فقال لهما أبو عبيد: أَجَبُنْتُما؟! فقال له سليط: إن العرب لم تقاتل فارسًا مثل اليوم، فاجعل لها ملجأ، فقال: ما بقي غيرُ القتال، وقد حُمَّ الأمر، فاقتتلوا يومًا.

وكانت الخيول كما رأت الفِيلة عليها الرجال والتَّجافيف لم تُقدم عليها (١)، والفُرس تُنكي فيهم بالنُّشَّاب، وكان معهم فِيلة يقدمها قيل أبيض تَنفِر منه الخيول، فقال أبو عبيد: هل لهذه الدابّة من مَقتل؟ قالوا: نعم مِشفَره، فحمل عليه أبو عبيد راجلًا، ولم يكن رأى فيلًا قط قبل ذلك، وهو ينشد ويقول: [من الرجز]:

يالك من ذي أربعٍ ما أكبرك

إني لعالٍ بالحُسام مِشْفَرَكْ

يالك من يومِ وغى ما أنكرك

وهالِكٌ وفي الهلاك لي دَرَكْ

ثم قال للناس: اقصدوا الفِيَلة، وواثب هو الفيلَ الأبيض، فتعلّق ببطنه فقتله، وفعل القوم مثل ذلك، فما تَركوا فيلًا إلا وحَطُّوا رحلَه (٢)، وقتلوا أصحابَه، وقُتل من


(١) في المنتظم ٤/ ١٤٧: وكانت الخيول إذا نظرت إلى الفيلة عليها الحلية، والخيل عليها التجافيف لم تقدم. والتجافيف من آلات الحرب، يوضع على الفرس يتقى بها، كالدرع للإنسان، وانظر تاريخ الطبري ٣/ ٤٥٦.
(٢) في (أ) و (خ): وحطمه رجل، والمثبت من المنتظم ٤/ ١٤٧، والطبري ٣/ ٤٥٧.