للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الرابعة والتسعون بعد المئتين]

في المحرَّم خرج زَكْرويه القِرمطيُّ من بلاد القَطيف يريد قافلة الحاجِّ، فجاء إلى واقِصَة، ثمَّ أقام قريبًا من الماء المسمى بسَلْمان، ووافت القافلة الأولى واقِصَة، فأنذرهم أهلُها، فارتحلوا فنجَوْا، وجاء القرمطيُّ إلى واقِصة، فسألهم عن القافلة، فأخبروه بأنَّهم لم يُقيموا، فقَتَل منهم جماعة، وتحصَّن الباقون بحصنهم.

ثمَّ اعترض [زكرويه] قافلة خراسان لإحدى عشرة ليلةً خلت من المحرَّم بالعقبة التي يقال لها: عَقبة الشيطان، فحاربوه حربًا شديدًا وترجَّلوا، فقال لهم: أمعكم من عسكر السلطان أحد؟ قالوا: لا، قال: فامضوا لشأنكم فلست أريدكم، فساروا، فأوقع بهم، وجعل أصحابُه يَنخَسون الجِمَال بالرِّماح، ويبعجونها بالسيوف، فنَفَرت، وأكبَّ أصحاب القرمطيِّ على الحاجِّ يقتلونهم كيفما شاؤوا، فقتلوا من الرّجال وسبَوا النّساء، واحتَوَوْا على ما في القافلة، وأفلت من الجَرحى [قوم] فوقعوا بين القتلى، فتحاملوا في الليل ومضَوْا، فمنهم مَن مات في الطَّريق، ومنهم مَن نجا، وكان نساء القرامطة يطُفْن في القتلى يعرضْنَ عليهم الماء، فمن كلَّمَهنَّ أجهزوا عليه، فيقال: إنَّهم قتلوا من الحاجّ عشرين ألفًا، وأخذوا ما قيمتُه ألفي [أَلْف] دينار.

وورد الخبر إلى بغداد يومَ الجمعة منتصف المحرَّم، فشقَّ ذلك على المكتفي والمسلمين، ووقع النَّوْح والبُكاء في البلد، [وعظُمت الرَّزّيَة]، فندب الوزير العباس بن الحسن، محمدَ بنَ داود بن الجَرَّاح الكاتب لإنفاذ الجيوش، فخرج من بغداد لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرَّم، وحَمَل معه أموالًا عظيمة.

وسار زَكرويه إلى زُبالة فنزلها، وبثَّ الطلائعَ أمامَه ووراءَه؛ [خوفًا من أصحاب المكتفي، وكانوا مُقيمين بالقادسية] خوفًا منه على قافلة الحاجّ، فجرى عليهم ما جرى، ولم يعلموا إلَّا بعدما فات الأمر، وكانت قد تأخَّرت القافلة الثالثة وهي العُظمى، فسار إلى ما بين الشُّقوق والبِطان في طرف الرَّمْل ينتظرها في مكان يُعرف بالطُّلَيح.