للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنة الخامسة والعشرون وثلاث مئة (١)

فيها أشار أبو بكر محمد بن رائق على الراضي بأن يَنحدرَ معه إلى واسط ليَقْرُب من الأهواز، فخرج من بغداد يوم السبت غُرَّةَ المُحرَّم مُنْحَدِرًا إلى واسِط، فوصلها يوم الاثنين لعشر خَلَون منه، واستخلف بالحَضْرة أبا محمد الصِّلْحي، وأمر القُوَّاد له بالطَّاعة.

واضطربت الحُجَريّة وقالوا: هذه حِيلةٌ علينا ليَعمل بنا مثل ما عمل بالسَّاجية، فأقام بعضُهم وانحدر البعض، ثم بعد ذلك انحدروا جميعًا، فاستخدم ابن رائق ستين حاجبًا وأسقط الباقين -وكانوا أربع مئة وثمانين حاجبًا- ونَقَّص أرزاقَ الحَشَم والسَّاجِيَّة وغيرهم، فثاروا وحاربوا ابن رائق، وجرى بينهم قتالٌ شديد، فانهزم مَن بقي من الساجية إلى بغداد، وكان لؤلؤ صاحب الشرطة، فقتل بعضَهم، ونهب دورَهم، ولم يَبْق من الحُجَرية إلا قليل، مثل: صافي الخازن، والحسن بن هارون، فأُطلقا.

ولمَّا فرغ ابن رائق من الساجية والحجرية أشار على الراضي بالتقدُّم إلى الأهواز، فأُخرجت المَضارب، وبعث ابن رائق أبا جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد والحسن بن إسماعيل الإسكافي إلى أبي عبد الله البريدي برسالة من الراضي مضمونُها: أنَّه قد أخَّر الأموال واستبدَّ بها، وأفسد الجيوش، وحسَّنَ لها المُروق، وأنَّه ليس طالبيًا فينازع على المُلك، ولا جُنديًّا فيبتغي الإمارة، ولا ممَّن يَحمل السلاح فيُؤهَّل لفَتْح البلاد المُغلقة، وأنَّه كان كاتبًا صغيرًا رُفع بعد خُمولٍ، وعاملًا من أوسط العمال فطغى وبغى، وكفر النِّعمةَ، وجازى على الإحسان بالسوء، وخلع الطّاعة، وركب المعصية، وإن رجع إلى الطاعة سُومح عن الماضي.

فلمَّا وصلا إليه أبلغاه الرّسالة، فأجاب إلى أنَّه يَحمل مالًا عيَّنه، وأنَّ الجيش الَّذي عنده لا يَقومُ بهم مالُ الحَضْرة، فيُجهِّزُهم إلى فارس يحاربوا مَن بها.

فأمَّا ابن رائق فقَبل منه ذلك، وأما الحسن بن علي النُّوبَخْتي فقال: الواجب إخراجُه من الأهواز؛ فإنَّه كذَّاب غَدَّار لا يَفي بقولٍ ولا يَمين.


(١) لم يرد من أخبار هذه السنة في (ف م ١) سوى مسير ابن حمدان إلى مصر.