تقدَّم خالدًا ابنُه سعيد في جماعة، فصادفهم البطريق وهم لا يشعرون، فهزمهم، وبلغ الخبر خالد بن سعيد فهرب في نَفرٍ يسير، فلم تنته [الهزيمة به] عن ذي المروة، ثم قدم المدينة منهزمًا، فغضب أبو بكر على خالد ونال منه، وقال: إنك لا تخوض الغمرات، ولا تصبر في الشدائد، وياليتني أطعتُ عمر فيك، ثم ردَّه إلى الشام، وأقام عكرمة بن أبي جهل بتيماء ردءًا للمسلمين، ثم أمّر أبو بكر معاوية بن أبي سفيان، وأَمَره أن يلحق بأخيه يزيد بن أبي سفيان، فسار إليه يسير تحت لوائه.
[فصل ذكر جموع الروم]
قال علماء السِّير: ولمّا بلغ الروم مسيرُ يزيدَ بن أبي سفيان والأمراء إلى الشام، كتبوا إلى هرقل وهو بحمص يُخبرونه بذلك، فجمع خواصَّه وعلماءَه واستشارهم وقال: الرأيُ عندي الصلحُ، وإن لا تُقاتلوا هؤلاء القوم. فخالفوه وقالوا: لا بد من قتالِهم وإخراجهم من الشام إلى حيث جاءوا. وقيل: إنما كان هرقل بالقسطنطينيةِ فسار حتى نزل حمص، وكانت دار الملك بالشامِ، ثم جمع العساكر وسيَّرهم إلى المسلمين، فبعث أخاه لأبيه وأمه واسمه تَذارق إلى عمرو بن العاص في تسعين ألفًا، فنزلوا قريبًا من فلسطين بثنيّة جلّق، وبعث جَرَجَه بن توذرا نحو يزيد بن أبي سفيان، فعسكر بإزائه في خمسين ألفًا، وبعث الدّراقص إلى شُرَحبيل بن حسنة في ستين ألفًا قريبًا منه، وبعث الفيقار بن نسطوس إلى أبي عبيدة بن الجراح، فنزل بإزائه في ستين ألفًا. وكان مقصود هرقل أن يُرعب المسلمين، ويحول بين بعضهم والبعض، فهابهم المسلمون؛ لأن جموعهم لم تبلغ سبعةً وعشرين ألفًا، وجموعُ الروم مئتان وستون ألفًا سوى مَن تأخَّر مع هرقل، ومَن كان في المدائن والحصون من المقاتلة، وكانوا يزيدون على أربع مئة ألف مقاتل.
فكتب المسلمون إلى عمرو بن العاص ما الرأي؟ فكتب إليهم: أن نَجتمع، فإن مثلنا إذا اجتمعنا كالقِداح المجتمعة لن نُغلب عن قلّةٍ.
وكتبوا إلى أبي بكرٍ فأجابهم بمثل ما قال عمرو، وقال: انزلوا اليرموك. فساروا إليه بأجمعهم فنزلوه. وكتب هرقلُ إلى جيوشه: انزلوا بإزائهم، فنزلوا، وصار الوادي خندقًا بينهم، وهو وادٍ عظيم لا يُدْرك، ونزلت الرومُ بمكانٍ ضيِّقٍ ليس لهم طريقٌ إلَّا