للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالت: أنتَ سمعته يقول هذا؟ قال: نعم، قالت: إياك أنْ تتعدى ما أمرك به عطاء.

مات المدائنيُّ ببغداد في منزل إسحاق الموصلي في هذه السنة، وقيل: ماتَ في سنة أربعٍ أو خمسٍ وعشرين ومئتين، والأوَّل أشهر، وأتت عليه ثلاثٌ وتسعون سنة (١).

محمد بن سلَّام بن عبيد الله بن سالم

أبو عبد الله البصريُّ، مولى قدامة بن مظعون، صنَّفَ كتاب "طبقات الشعراء"، وهو أخو عبد الرَّحمن بن سلام، وكانا من أهل الفضل والأدب.

وقال الحسين بن الفهم: قدمَ علينا محمدُ بن سلَّام بغداد سنة اثنتين وعشرين (٢)، فاعتلَّ علَّةً شديدةً، فما تخلَّف عنه أحد، وأهَدى إليه الأجلَّاءُ أطباءَهم، وكان ابنُ ماسويه ممَّن أُهدِيَ إليه، فلمَّا جسَّ نبضَه قال: ما أرى بك من العلَّة مثل ما أرى بك من الجزع! فقال: والله ما ذاك لحرصٍ على الدنيا مع اثنتين وثمانين سنة، ولكنَّ الإنسان في غفلة حتَّى يُوقظ بعلَّةٍ، ولو وقفتُ وَقْفَةً بعرفات، وزُرت قبرَ رسول الله زورةً، وقَضيتُ أشياءَ في نفسي، أسهل عليَّ ما اشتدَّ من هذا، فقال له ابنُ ماسويه: لا تجزع، فقد رأيت في عروقك من الحرارة الغريزية وقوَّتها (٣) ما إن سلَّمكَ الله من العوارض بلَّغك عشر سنين أخرى. فوافق كلامُه قَدَرًا، فعاش محمدٌ بعدَ ذلك عشرَ سنين.

ومات في سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين.

وقال الفضل بن الحُباب: ابيضَّت لحيةُ محمد بن سَلَّام ورأسُه وله سبعٌ وعشرون سنة، وسمعتُه يقول: أفنيتُ ثلاثةَ أهلين، تزوَّجتُ وأطفلتُ فماتوا، ثم فعلتُ مثلَ ذلك فماتوا، ثمَّ فعلتُ الثالثة فماتوا، وها أنا ذا في الرابعة ولي (٤) أولاد، وكانت وفاته ببغداد.

أسندَ عن حماد بن سَلَمة وغيره، وروى عنه عبد الله بن الإمام أحمد وغيره، وهو


(١) انظر ترجمته -بالإضافة إلى ما ذكر- في معجم الأدباء ١٤/ ١٢٤، وسير أعلام النبلاء ١٠/ ٤٠٠
(٢) يعني: ومئتين.
(٣) في (خ) و (ف): قوتك. والمثبت من تاريخ بغداد ٣/ ٢٧٩.
(٤) في تاريخ بغداد ٣/ ٢٨٠: ولا.