للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن الكلبي. واشتغل يوسف عن زليخا فانحنت وعميت وغيَّرها الزمان.

[ذكر دخول إخوة يوسف لطلب الميرة وما جرى لهم معه]

قال علماء السير: ولما وقع القحط بمصر عمَّ ذلك الشام وغيره، فقصد الناسُ مصرَ من كل ناحية يمتارون، ونزل بيعقوب ما نزل بالناس، وكان يوسف لا يمكِّن أحدَّا مَن حمله الطعام إلى الشام سوى حمل بعير واحدٍ، تقسيطًا بين الناس وتوسعةً عليهم، فأرسل يعقوب بنيه العشرة، وكان منزلهم بالعَرَبات من أرض فلسطين بغَور الشام، وكانوا أهل بادية وإبل وشاء، وأمسك بنيامينَ عنده، فلما دخلوا عليه عرفهم يوسف وهم له منكرون (١).

فإن قيل: فلمَ أنكروه؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: ما ذكره ابن عباس قال؛ كان بين أن القوه في الجب وبين أن دخلوا عليه أربعون سنة، فلذلك أنكروه.

والثاني: لأنه كان متزييًا بزيّ فرعون مصر، عليه ثياب الحرير، جالسًا على سرير من ذهب، وفي عنقه طوق من ذهب، وعلى رأسه تاج من الذهب مرصع بالجواهر، فلذلك أنكروه، قاله مقاتل.

والثالث: أنَّه كان بينه وبينهم ستر، قاله مجاهد.

والرابع: كان على وجهه برقع من اللؤلؤ، قاله الضحاك.

والخامس: لأنهم جنوا عليه، والجناية تورث النُّكْرة، والوفاء يورث المعرفة، ولما أرادَ الله من إنفاذ قضائه وقدره (٢).

فلما نظر إليهم يوسف كلَّموه بالعبرية فقال: من أنتم؟ ومن أين أقبلتم؟ قالوا: نحن قوم رعاة من الشام أصابنا الجهد فجئنا نمتار، فقال: لعلكم عيونٌ جئتم تنظرون عورةَ بلادي، قالوا: لا والله ما نحن بجواسيس، وإنما نحن إخوة بنو أب واحد، وهو شيخ


(١) انظر "عرائس المجالس" ١٣١.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ١٣١، وتفسيره ٥/ ٢٣٣، وزاد المسير ٤/ ٢٤٧.