للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعاين، وما ذكره الهندُواني يدلُّ على أن الحرم يكون مربَّعًا، وليس كما ذكر، بل هو مختلف الحدود كما ذكرنا.

فإن قيل: فلمَ لم تكن حدود الحرم متساوية إلى مكة؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: رواه عطاء عن ابن عباس قال: لما أهبط الله آدم إلى الأرض أقام باكيًا مستوحشًا فأهبط الله إليه البيت المعمور، وكان ياقوتة من يواقيت الجنَّة، فأضاءت منه الدُّنيا، فقال إبليس: حدث أمر، فأرسل الشياطين ليكشفوا له الخبر، فجاؤوا فوقفوا موضع الأعلام لم يتجاسروا أن يتعدَّونها، لأن نور البيت انتهى إلى موضع الأعلام، فلم يقدر أحد منهم أن يدنو منها، فنصبت الملائكة الأعلام، فلمَّا احتضر آدم أوصى شيئًا بتجديد الأعلام ونصبها.

والثاني: لأنَّ الخليل لما وضع الحجر الأسود في الركن أضاء منه نور وصل إلى أماكن الحدود، فجاءت الشياطين فوقفت عند الأعلام فبناها الخليل حاجزًا، رواه مجاهد عن ابن عباس.

والثالث: لأنَّ الملائكة لما بنت البيت في أوَّل الأمر نزل من السماء ملائكة ملؤوا مكان الحرم اليوم، فأمرهم الله أن ينصبوا الحدود حيث انتهوا إليه تعظيمًا للحرم، قاله مقاتل (١).

فصل في قبلة كلِّ بلد

القبلة: الوجهة التي يتوجَّه إليها، يقال: من أين قِبلَتك؟ أي: من أين جهتك ووجهتك؟.

وروى عكرمة عن ابن عباس قال: الحرم قبلة أهل الأرض، والمسجد قبلة أهل مكة، والبيت قبلة أهل المسجد، وباب الكعبة قبلة البيت (٢).

وقال أرباب الهيئة: قِبلة أهل العِرَاق وخُراسَان والصِّين يسار الركن العراقي، الذي


(١) نقل هذه الأقوال الصالحي في سبل الهدى والرشاد ١/ ٢٣٣ - ٢٣٤ عن المحب الطبري، وانظر المنتظم ١/ ٢٧١.
(٢) أخرجه البيهقي في سننه ٢/ ٩ مرفوعًا وضعفه، وانظر التلخيص الحبير ١/ ٢١٣، والدر المنثور ١/ ١٤٧.