للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لنعمته، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٠٠] الآية. فما أفجعَ القلوبَ بمصابه، وما أنكى في النفوس [فلول] (١) شبا شبابه، ولقد كانت الهِمَمُ متوفرة على تربيته، وإعلاء درجته، ولكن استأثر الله به قبل ظهور حُسْن الآثار في إيثاره، وبُلي بَدْرُ تَمِّه بسِراره، ولا خفاء أن إربْل من إنعام البيت الكريم الأتابكي على البيت الزَّيني منذ سبعين عامًا، لم يحِلُّوا لعقد إنعامهم بها نظامًا، وما رأى الخادمُ أن يخرجَ هذا الموضع منهم، ولا يُصْدَف به عنهم، والأَجل مُظَفَّر الدين كبيرُ البيت وحاميه، والمقدَّم في الولاية بمقتضى وصية أبيه، قد أُنهض ليسدَّ مسَدَّ أخيه.

وكان السُّلْطان لما بلغه موت زين الدين حزن عليه لمكان عِفَته وشبابه وغُرْبته، وكان تقيُّ الدين عمر عند السُّلْطان، فسأله إضافةَ حَرَّان والرُّها، وما كان بيد زين الدين إلى يده مع حماة وسلمية واللاذقية وجَبَلَة وسُمَيساط ودياربكر وميَّافارقين، فأعطاه ما طلب، وزاده جُمْلين والمُوَزَّر وسَرُوج ورأس عين، فبعث نوَّابه إليها.

السنة السَّابعة والثمانون وخمس مئة

في صفر سار تقيُّ الدِّين إلى حَرَّان والرُّها والبلاد التي أقطعها، وشَرَطَ عليه السُّلْطان أن يعود عاجلًا، فلما حصل هناك اشرأبتْ نَفْسُه إلى أخذِ البلاد الشَرْقية والمَوْصل وخِلاط وجميع البلاد، وعَلِمَ صاحبُ خلاط والمَوْصل ومارِدِين وآمِد والروم، فنفروا عنه، وتقاعدوا عن نُصْرة السلْطان، وتعاهدوا أن لا ينجدوه، وكتبوا إلى الخليفة، فساعدهم خوفًا من تقيِّ الدين، وبَعَثَ الخليفةُ إلى بَكْتَمُر خِلَعَ السلْطنة، وخيلًا، وتُحَفًا وسلاحًا يساوي خمسين ألف دينار، وعينًا ثلاث مئة ألف دينار مع أزغش مملوك الخليفة صاحب دَقُوقا، وبلغ السلْطان، فقامت عليه القيامة، وجمع الأُمراء، وقال: يا قوم، نحن في هذه الشّدَّة والبلاء، والمسلمون في خُطَّة الهلاك، والخليفة لا يُنفِذ إلينا دِرْهمًا، ويحيلنا على التُجَّار، وينفذ إلى بَكْتَمُر هذا المبلغ؟! ما أثار هذا علينا إلا تقي الدِّين، والله إني لخائفٌ عليه (٢)، ويقال: إنه دعا عليه، وقال: لا يفلح بعدها. فمات تقيُّ الدين في رمضان، فكان


(١) زيادة من "كتاب "الروضتين": ٤/ ١٧٠.
(٢) كذا في (ح)، ولعلها: لحانق عليه، والله أعلم.