وفيها كَثُرت الفتوحاتُ بالعراقِ والشامِ على عمر، وقُدِم عليه بالأموالِ والأخماسِ، وكان عمرُ قد بثَّ جُيوشَه في الدنيا، وفتح نُعيم بن مُقَرِّن قُومِس وطَبَرِسْتان وصالح أهلها.
وبعث عمر الأحنفَ بنَ قيس إلى خُراسان، فافتتح هَراة عَنْوَةً، وتوجَّه إلى مرو، وأرسل مُطَرِّفَ بنَ عبدِ اللَّه بن الشّخِّير إلى نَيْسابور، وكان يَزْدَجِرْد بمَرْو، فكتب إلى خاقان ملك التُّركِ يستمدُّه، وإلى ملك الصُّغْدِ يَستنصرُ به، وتواترت أمدادُ أهلِ الكوفة والبصرةِ إلى الأحنفِ، وهرب يَزْدَجِرْدُ إلى بَلْخ، وتَبعه الأحنف فهزمه وقطع النهرَ، وعاد الأحنفُ إلى مَرو فنزلها، وجاء خاقان إلى يَزْدَجِرْدَ، واجتمعا وعادا إلى مَرْوَ، وجاء يَزْدَجِرْد ومعه خاقان فنزلا على مَرْو، وطال الحصارُ، فخرج الأحنفُ ليلةً يتجسَّسُ الأخبارَ، لعلَّه أن يَسمعَ كلامًا يَنتفعُ به، فسمع رجلًا يقولُ لآخر: لو كان أميرُنا يُسْنِدُنا إلى الجبلِ فكان النهرُ بيننا وبين عدوِّنا خندقًا وكان الجبلُ وراء ظهورنا، أمِنّا أن يأتيَ عدوُّنا من خلفنا، ورجَوْنا النَّصْرَ من اللَّه.
فارتحل الأحنفُ، وأسندهم إلى الجبلِ، ثم التقَوْا فقتل الأحنفُ جماعةً من كُبرائهم، وقيل: إنَّما قتلهم غِيلةً، فقال خاقان: ليس لنا في قتالِ هؤلاء حاجة، ولا خيرَ لنا فيه، فارتحل إلى بَلْخ، فهَمَّ يَزْدَجِرْدُ أن يَتبعَه، فقال أصحابُه: تَدَعُ أرضك وقومَك وتصير في مملكةِ الغَيْر؟! عُدْ بنا إلى العربِ؛ فإن مُقامنا مع عدوِّنا في بلادنا خيرٌ لنا من مُقامِنا مع عدوِّنا في بلادهِ، فقال: لابُدَّ أن أَتبَعَ خاقان فآمن على نفسي، فقالوا: فدَعْ خَزائنَنا عندنا نتقوّى بها على عدوِّنا، فأبى، فاعتزلوه، وبقي مُفردًا في حاشيتِه، فقاتلوه فهرب، فأخذوا الخزائنَ واستولَوْا عليها، وقطع يَزْدَجِرْدُ النهرَ إلى فَرْغانة والتُّركِ، وأقام عندهم حتى تُوفي عمرُ، فعاد إلى مَرْو.
وصالح أهلُ تلك البلاد الأحنفَ على مالٍ، ودفعوا إليه من تلك الخزائن، فعقد بينه وبينهم الصُّلح، فأقاموا في بِلادهم على أحسَنِ حالٍ، وأصاب الفارسُ يومئذٍ ما