الحربية الناس للصلاة عليه، فصُلِّي عليه بين الحربية والعتابيين ولم يُحَطَّ على الأرض؛ لكثرة الخلق، وإنما كان على أيدي الرجال حيث اتَّجهوا صلُّوا عليه.
وقال أبو الوفاء بن عقيل: شهدتُ [جنازته، وكان يومًا لم يُرَ في الإسلام مثلُه بعد] جنازة الإمام أحمد رحمة الله عليه، غُلِّقت له المكاتب والحمامات، وبلغت المعبرة بباب الطاق مع كون الجسر ممدودًا أربعة دنانير، ولم يمكن أن يُصلِّي عليه إمامٌ مُعيَّن، فجُعِلَ كلّ قبيلٍ فيه ألوف من الناس يُصلِّي بهم رجل يصلح للتقدّم.
وكانت الضجَّةُ تمنع التبليغَ بالتكبير، فصلَّى عليه أكثر الناس وحدانًا.
[وقال ابن عقيل: ورأيت عدة سلاسل فيها مداساتٌ كثيرة يُنادى عليها: ليأخُذْها أصحابُها، فما يأخذها أحد].
وقال عبد العزيز بن عبد الله الصائغ: صلَّيتُ على ابن القزويني، فهالني كثرةُ الخلق الذين حضروا جنازته، فرأيتُه في المنام في تلك الليلة، فقال لي: يا عبد العزيز، استعظمتَ الخلقَ الذين قد صلُّوا عليَّ؟ قد صلى عليَّ في السماء ملائكةٌ أكثرُ من ذلك.
ثم ردُّوه إلى الحربية فدفنوه في داره، وقبره ظاهرٌ يُزار، ويُقال: إنَّ الدعاء عنده مستجاب. [قلت: وقد أقمتُ في الحربية مدة سنتين وجاورتُه، وكنت كل وقت أزوره، ورأيتُ بركة زبارته. أسند الحديث عن ابن كيسان النحوي وأبي عمر بن حيُّويه وابن شاذان وأبي الحسين بن سمعون وغيرهم، وروى عنه الخطيب وأقرانه].
وقال ابن عساكر: قدم دمشق، وكانت له كرامات ظاهرة، وكلام على الخواطر [وكان يتفقَّه على مذهب الشافعي، واتفقوا على أنه كان أوحدَ عصره].
[وفيها تُوفِّي]
قرواش بن المُقلِّد (١)
أبو المَنيع، صاحب الموصل والكوفة والأنبار وسقي الفرات، جلس له القادر في سنة ست وتسعين وثلاث مئة ولقَّبه معتمد الدولة، وخلع عليه وزارةَ نهر الملك، وكان قد جمع بين أُختين، فلامه الناس، فقال: خَبِّروني ما الذي نستعمله مما تبيحه