للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان آدّم، شديدَ الأُدْمَة، نحيفًا، طُوالًا، أَجْنَأ، [كثيرَ] الشَّعر، خفيفَ العارضَين، لا يُغيِّر شَيْبَهُ.

وكان يُعذَّب في اللَّه تعالى حين أسلم ليَرجعَ عن دينه، وكان من المُستَضعفين من المؤمنين، فما أعطاهم قط كلمةً مما يُريدون، وكان إذا اشتدّ به العذابُ قال: أَحَدٌ أَحد، فيعذّبونه ويقولون: قُل كما نقول، فيقول: إن لساني لا يُحسِنُه، وأتى عليه أبو بكر فقال: عَلام تُعذِّبون هذا الإنسان؟ فاشتراه بسبع أَواقٍ فأعتقه، فذكر ذلك للنبي فقال: "الشَّرِكَةَ يَا أَبا بكر"، فقال: قد أعتقتُه يَا رسول اللَّه.

قال مجاهد: أوَّلُ مَن أظهر الإِسلام سبعة: رسول اللَّه ، وأبو بكر رضوان اللَّه عليه، وبلال، وخَبَّاب، وصُهيب، وعمّار، وسُميّة أم عمّار .

فأما رسول اللَّه فمنعه عمُّه، وأما أبو بكر رضوان اللَّه عليه فمنعه قومُه، وأُخِذ الآخرون، فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صَيّروهم في الشمس، حتى بلغ الجهد منهم كلَّ مَبلغ، فأعطَوْهم ما سألوا، إلَّا بلالًا فإنه هانت عليه نفسُه في اللَّه حتى مَلُّوه، فجعلوا في عُنُقِه حَبْلًا، ثم أمروا صبيانَهم أن يَشتدُّوا به (١) بين أخشَبَيْ مكة، وبلالٌ يقول أَحَد أَحَد.

وكان أميَّة بن خَلَف يُخرجه إذا حَمِيت الظَّهيرةُ، فيَطرحُه على ظهره في حرِّ الرَّمْضَاء، ثم يَجعل على صدرِه صخرة عظيمة، ثم يقول: لا تزالُ كذا حتى تموتَ أو تكفُرَ محمدًا، وتعبُدَ اللاتَ والعُزّى، فيقول وهو في ذلك البلاء: أَحَد أَحَد.

قال المصنّف : قال جدّي في "المنتخب": [من الوافر]

أبو بكر حبا للَّه مالًا … وأعتق خَيِّرًا عَبْدَهْ بِلالا

لو أنّ البحر عانده بسُوءٍ … لما أبقى الإله له بِلالا

وقد آسى النبيَّ بكلِّ خيرٍ … وأبدى فيه لفظَ نعم بلالا (٢)

سبب إسلامه -: اعتزل أبو بكر رضوان اللَّه عليه ورسول اللَّه في غار، فمرّ


(١) في (أ) و (خ): يشدونه، والمثبت من طبقات ابن سعد ٣/ ٢١٤.
(٢) الأبيات في معجم الأدباء ٦/ ٩٤ لأسعد بن علي البارع.