للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسعادتي بالزَّوال، وإذا أراد الله بامرئٍ خيرًا وفَّقه للخير، وإذا أراد به سوءًا حسَّن له السوء، وقد كنتُ أحرسُ الناسَ من الملوك والوزراء وأدفعُ عنهم، وأسعى في حفظ نفوسهم ونَعَمِهم، وقد دُفِعْتُ إلى ضرب الأبشار (١)، وأخذِ الأموال، وهذا علامة الإدبار، ولو كنتُ سعيدًا لعفَوْتُ عمَّن عاملني بالقبيح، إما لله تعالى، وإمَّا للقدرة، أو لاتِّباع مكارم الأخلاق.

ولمَّا أصعد سلطانُ الدولة من واسط إلى بغداد خرج أبو الخطاب والأمير إلى سُرَّ مَنْ رأى، وكان الأمير مُقدَّمًا في الدولة، فلمَّا انحدرَ سلطانُ الدولة إلى واسط واستقرَّ الأمر لمشرِّف الدولة قال أبو غالب الحسن بن منصور الوزير لبعض أصحابه: ما انحدر سلطان الدولة إلى واسط إلا ليُدبِّر الأمر علينا. وراسل الأميرَ وأبا الخطاب، وتحالفوا وتعاهدوا على أن تكون كلمتُهم واحدةً، وأن يوفوا الأتراك أقساطهم، وعزم أبو الخطاب على العود إلى بغداد، فأصبح وقد ضربه الفالجُ، وكانت منيَّتُه فيه، فسبحان الله الذي أطال مُدَّته، وأدام سعادتَه، وأعلى منزلتَه عند اعتقادِ الخيرِ وفِعلِه إيَّاه، ومحافظتِه على حقوق الناس، ومنعِه المصادرات، وحؤولِه بين الملوك والوزراء وبين ما كانوا يرومونه من ذلك، ثم رماه بهذه العلة التي قاسى منها الزَّمانةَ والآلامَ وغربةً في البلاد، وشتَّتَه في الأسفار لمَّا غيَّر النيَّة، وعدلَ عن تلك الطريقة، وهمَّ بما همَّ به من الشرِّ والقبيح، فترامت به الحالُ إلى الوفاة من غير أن يحضر أهلُه وولدُه، وتشتَّتَ بعدَه ولدُه أبو سعد، ومات وانقرض عقبُه، وتمزَّقت أموالُه، وذهبت ذخائرُه، إن في ذلك لعبرةً.

عبد المحسن بن محمد (٢)

ابن أحمد بن غالب بن غَلْبون، أبو محمد، الصُّوري، الشاعر، له ديوانٌ مشهور، ومن شعره: [من الخفيف]

وأخٍ مسَّه نزولي بقَرْحٍ … مثلَ ما مسَّني من الجوعِ قَرْحُ


(١) الأبْشَار: جمع البَشَر، وهي جمع البَشَرة، والمراد بها هنا الوجه. معجم متن اللغة ١/ ٢٩٧.
(٢) تاريخ دمشق ٤٣/ ١٣١ - ١٣٤ (طبعة مجمع اللغة العربية بدمشق)، ويتيمة الدهر ١/ ٣٦٣ - ٣٧٨. وينظر السير ١٧/ ٤٠٠.