للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمرني رسول الله بهدمه، فقال: لا تَقْدِرُ؛ إنه يمتنع عليك، فقلت له: وأنت إلى الآن في الباطل، وهل يسمع أو يبصر؟ ثم دنوت منه فَهدمته وقلت للسادن: كيف ترى؟ فقال: أسلمت لله رب العالمين (١).

ذكر مسير خالد إلى بني جَذِيمةَ:

لما افتتح رسولُ الله مكّة بعث خالدَ بنَ الوليدِ داعيًا ولم يبعثه مقاتلاً، فخرج حتى نزل على بني جَذيمة بن عامر بن مناة بن كنانة وهم على ماء لهم يقال له: الغُمَيصاء، وكانوا قد أصابوا في الجاهلية عمه الفاكه بنَ المغيرة وعوفًا أبا عبد الرحمن ، فلما غشيهم أخذوا السلاح، فقال خالد: إن الناس قد أسلموا فَضعوا السلاح، وأبى جَحْدَم - رجل منهم - أن يضع سلاحه، وقال: يا بني جَذيمة، إنه خالد، ولا والله ما بعد وضع السلاح إلاَّ الإِسارُ وما بعد الإِسارِ إلاّ ضَرْبُ الأعناق، فقالوا: يا جَحْدم، تريد أن تُصيبَ دِماءَنا، فإن الناس قد أسلموا ووضعت الحرب وأَمِنَتِ الناس، فلم يزالوا به حتى أخذوا سلاحه، فنزل خالد وأمر برجال منهم فأسروا وضربت أعناقهم، فبلغ رسول الله فقال: "اللَّهمَّ إنِّي أبرأُ إليك ممَّا عَمِلَ خالدُ بن الوليدِ" ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: "اخرُج إلى هؤلاءِ القومِ فدِ دِماءَهم وأَموَالَهمَ، واجَعْل أَمرَ الجاهليةِ تحت قَدمَيْكَ" وأعطاه مالًا، فخرج فوَدَى دماءهم وأموالهم حتى أعطاهم ثمنَ مِيْلَغَةِ الكلب، وبقيت بقيةٌ من المال فقال: أعطيكم هذا احتياطًا لرسولِ الله فيما لا يعلم وفيما لا يعلمون فأعطاهم إياه، ثم قَدِمَ على رسول الله فاستقبل القبلةَ ورفَع يديه حتى رُؤي بياض إبطيه، ثم قال: "اللَّهمَّ إنِّي أَبرَأُ إليكَ ممَّا فَعَل خالدُ بن الوليدِ" (٢).

وقال ابن سعد: لما رجع خالد من هَدْمِ العزى إلى رسول الله وهو مقيم بمكة بعث إلى بني جَذيمة داعيًا إلى الإسلام لا مقاتلًا، فخرج في ثلاث مئة وخمسين من المهاجرين والأنصار وبني سُليم، فقيل لبني جَذيمة: هذا خالد في المسلمين، فقالوا:


(١) "الطبقات" ٢/ ١٣٥ - ١٣٦.
(٢) "السيرة" ٢/ ٤٢٨ - ٤٣٠.