للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونحن مسلمون قد صلَّينا وبَنينا المساجدَ وأذَّنّا فيها وصدَّقْنا محمدًا ، فقال لهم خالد: ما أنتم؟ فقالوا: مسلمون، وقال: فما بالُ سلاحكم عليكم؟ قالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوةً فَخِفْنا أن تكونوا هم، فأخذنا السلاح لندفع عن أنفسنا، قال: فضعوا السلاح، فقال لهم جَحْدم: ويحكم يا بني جذيمة، والله إنه خالد، ولا يريد منا ما يراد بالمسلمين وقد عرفتموه، فما زالوا يكلِّمونه حتى ألقى سيفه وقالوا: نحن مسلمون وقد فتح الله مكة، فقال: والله ليأخذنَّكم بما تعلمون من الأحقاد القديمة، فقال خالد: استأسروا، فاستأسروا وأمر بهم فكُتِّفوا ودَفَع إلى كلِّ رجلٍ من المسلمين الرجلَ والرجلين فباتوا في وَثاقٍ، فكانوا إذا جاء وقت الصلاة كلَّموا المسلمين فيصلون ثم يربطون، فلما كان في السحر والمسلمون قد اختلفوا بينهم، فقائل يقول: إنّما أسرهم ليذهبَ بهم إلى النبي ، وناس يقولون: إنما يختبرهم ليبلوَ طاعتهم، فلما كان وقت السحر نادى مناديه: من كان معه أسيرٌ فليدافّه، والمدافَّةُ الإجهاز عليه بالسيف، فأما بنو سُلَيْم فقتلوا كلَّ أسيرٍ في أيديهم، وأما المهاجرون والأنصار فأطلقوا أسراهم، وكان في الجيش عبد الله بن عمر فأطلق أسيره (١).

قال الإمام أحمد رحمة الله عليه: حدَّثنا عبد الرزاق، حدَّثنا مَعْمَر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: بعث رسولُ الله خالدَ بن الوليد إلى بني جَذيمة فدعاههم إلى الإسلام، فلم يجيبوا ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صَبَأْنا. وذُكر أنهم لما قدموا على النبي أَخْبَروه بما صنع خالد، فرفع يديه وقال: "اللَّهمَّ إنَّي أَبرَأُ إليكَ ممَّا صَنَعَ خَالدٌ" مرتين (٢).

وقال الواقدي: لما أرسل المهاجرون والأنصار أسراهم غضب خالد، فقال له أبو أسيد الساعدي: اتق الله يا خالد، والله ما كنا لنقتل قومًا مسلمين، قال: وما يدريك؟ فقال: قد سمعنا إقرارهم بالإسلام ورأينا مساجدهم (٣).

ولما قدم خالد على النبي عاب عليه عبد الرحمن بن عوف ما صنع وقال:


(١) "الطبقات" ٢/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٦٣٨٢).
(٣) "المغازي" ٣/ ٨٧٧.