للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعنى ﴿تَتْلُو﴾ تَلَتْ، وقرأ الحسن: "الشياطون" بالواو في جميع القرآن (١)، وهو لحنٌ فاحش عند أهل الأدب. الأصمعي قال: سمعت أعرابيًا يقول: بستان فلان حوله بساتون. ومعنى ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ أي: في ملكه.

وقال السُّدي: كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعدَ للسمع ثم يأتون الكهنةَ فيخبرونهم، ويخلطون ما سمعوا بالكذب والزور، في كل كلمة سبعون كذبة فيما يكون في الأرض من موتٍ أو غيره، ففشا في بني إسرائيل أن الجنَّ تعلمُ الغيب، فجمع سليمان تلك الكتبَ وجعلها في صندوق ودفنها تحت مصلاه أو كرسيِّه، وقال: لا أسمعُ أحدًا يقول إن الشياطين تعلم الغيب إلا قتلته. فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين يعرفون حال الكتب وَدَفْنَهُ إياها تمثلَ الشيطان في صورة إنسان، وأتى نفرًا من بني إسرائيل، قال: هل أدلكم على كنزٍ لا تأكلونه أبدًا؟ قالوا: نعم، فذهب معهم إلى كرسيِّ سليمان وقال: احفروا ها هنا، فحفروا وأخرجوها، فقال: إنَّ سليمان كان يضبط الجنَّ والإنس والطير بهذا. ولما أراهم المكان من بعيد قالوا: ادنُ، قال: لا أقدر، وما كان شيطانٌ يدنو من الكرسيِّ إلا احترق، وطار في الهواء. ولما ظهرت الكتب فشا في الناس أنَّ سليمان كان ساحرًا، فلذلك أكثرُ ما يوجد السحر في اليهود. فأنزل الله براءة سليمان.

وفي الآية دليل على أنَّ الساحر كافر لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: ١٠٢].

فصل في وفاة بلْقيس

حكى أبو القاسم في "تاريخ دمشق" وقال: بلغني أنَّ بلْقيس ملكت اليَمَن تسع سنين، وكانت خليفةً عليها من قِبَل سليمان أربع سنين، قال: وقال همام بن منبه: قدمتُ مكة فجلستُ إلى عبد الله بن الزبير وعنده جماعة من قريش فقال رجل: ممن أنت؟ قلت: من اليَمَن، قال: ما فعلتْ عجوزكم؟ قلتُ: أيُّ عجوز؟ قال: بلْقيس، قلت: أَسْلَمَت مع سليمان لله رب العالمين، وأما عجوزكم فحمَّالة الحطب في جيدها


(١) "مختصر في شواذ القراءات" ص ٨.