كُنْتُ أستعمل البياض من الأمْـ … شاطِ عُجْبًا بلمَّتي وشبابي
فاتَّخذتُ السوادَ في حالة الشَّيـ … ـبِ سُلُوُّا عن الصِّبا بالتَّصابي
وكانت وفاته في جمادى الآخرة بشَيزَر رحمه الله تعالى.
[السنة الثانية والتسعون وأربع مئة]
في يوم الجمعة ثالث عشرين شعبان استولى الفرنج على البيت المقدس، ساروا من أنطاكية ومقدمهم كُنْدَهري في ألف ألف، منهم خمس مئة ألف مقاتل، والباقون رجَّالة، وفَعَلة، وأربابُ مجانيق، وعرَّادات، وغيرها من آلة القتال، وجعلوا طريقَهم على الساحل، وكان بها افتخارُ الدولة من قِبَل المصريين، فأقاموا يقاتلون أربعين يومًا، وعملوا بُرجَين مُطِلَّين على السور، أحدهما بباب صهيون، والآخر بباب العمود وباب أسباط وهو برج الزاوية، ومنه فتحها صلاح الدين ﵀، فأحرق المسلمون البرج الَّذي كان بباب صهيون، وقتلوا مَنْ فيه.
وأما الآخر فزحفوا به حتَّى ألصقوه بالسور، وحكموا به على البلد، وكشفوا مَن كان عليه، ورمَوا بالمجانيق والسهام رمية رجل واحد، فانهزم المسلمون، فنزلوا البلد، وهرب الناس إلى الصخرة والأقصى، فاحتموا بها، فهجموا عليهم، فحُكي أنهم قتلوا في الحرم مئة ألف، وسبَوا مثلهم، وقتلوا الشيوخ والعجائز، وسبوا النساء، وأخذوا من الصحرة والأقصى سبعين قنديلًا، منها عشرون ذهبًا، في كل قنديل ألف مثقال، ومنها خمسون فضة، في كل قنديل ثلاثة آلاف وست مئة درهم بالشامي، وأخذوا تنورًا من فضة وزنه أربعون رطلًا بالشامي، وأخذوا من الأموال ما لا يُحصى.
ومنذ افتتحه عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه في سنة ست عشرة لم يزل في أيدي المسلمين إلى هذه السنة، وكان الأفضل بن أمير الجيوش لمَّا بلغه أنهم قد ضايقوا القدس سار في عشرين ألفًا، وجَدَّ في السير، فوصل ثاني يوم فتحه ولم يعلم،