للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبقيت الحالُ على ذلك سبعة أيام، وورد كتاب من أصبهان مضمونه: كتابي من بلدةٍ أقلبتُ بها في ساعة واحدة، وما رأيتُ قبل ما شاهدت الآن مثلَه فأصفه وأشرحه، وقد وقف بذلك أمير الوصلة التي مضى فيها فخر الدولة، وخرج السلطان من بعد شهر من يوم الحادثة إلى الصيد، وكتب بخطِّه رَقعةً يقول فيها: أمَّا أنا يا ولدي داود، فقد خرجتُ أتصيدُ وأنتَ غائبٌ عني، وعندي من الانزعاج لفراقك لي، والاستيحاشِ لبُعْدِكَ عني، والبكاءِ على أخْذِكَ مني، ما أسهرَ ليلي، ونغَّصَ عليَّ عيشي، وقطع كبدي، وضاعف كمدي، فأخبِرْني أنت بعدي ما حالُكَ؟ وما غيَّر البِلى منكَ؟ وما فعل الدودُ بجسمك والترابُ بوجهِكَ وعينِكَ؟ وهل عندك علي مثلُ ما عندي لك؟ وهل بلغ بِكَ الحزنُ مثلَ ما بلغَ بي؟ فواشوقاه إليكَ، ويا حُزناه عليك، ووا أسفاه على ما فات منك.

وحُملتِ الرُّقعة إلى نظام الملك، فقرأها وبكى بكاءً شديدًا، وجمع الوجوهَ والمحتشمين (١)، ومضى إلى القبر، وقرأها عنده، وارتجَّ المكانُ بالبكاء والعويل، وتجدَّد الحزن في البلد، وعادت المصيبة كلما حدثت، وجلس عميدُ الدولة للعزاء في صحن السُّلَّم ثلاثةَ أيام، أولها يوم السبت لثلاثٍ بَقِينَ من ذي الحجة.

نورُ الدولة (٢)

دُبَيس بن علي بن مَزْيَد، أبو الأغر، صاحب الجِلَّة، عاش ثمانين سنة، كان فيها أميرًا نيِّفًا وستين سنة، وكان في دولة الإسلام مثلَ جذيمة الأبرش؛ يُجير الوزراء والأمراء والأكابر من جميع العرب وغيرهم، وكانت الطبول تُضرَبُ على بابه في أوقات الصلوات، وكانت وفاته بِشَهْرابان من أعمال مطير آباذ، فحُمِلَ إلى النَّجف، ودُفِنَ في مشهد أمير المؤمنين رضوان الله عليه، وقام بعدَه ولدُه أبو كامل منصور بهاء الدولة، وأظهر العدل والإحسان، وأزال المكوس.


(١) في الأصلين (خ) و (ب): واجتمع المحتشمين! والتصويب من المنتظم ١٦/ ٢١٧، والكلام فيه.
(٢) المنتظم ١٦/ ٢٢٠، وتنظر مصادر الترجمة في السير ١٨/ ٥٥٧.