للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة السادسة والخمسون وثلاث مئة]

فيها عُمل يوم عاشوراء ما عُمل في السنين الماضية، ومات سيف الدولة بن حَمْدان في صفر، ومات مُعزُّ الدولة في ربيع الآخر، وقبض أبو تَغْلب الغَضنْفَر على أبيه ناصر الدولة في جُمادى الأولى، وكان قد ساءت أخلاقُه، وتَغَيَّرت أحوالُه، فقبضه وهو نائم في فراشه، وبعث به إلى القلعة المعروفة بكواشى، وأنفذ معه أخاه أبا البركات بن ناصر الدولة مُوَكَّلًا به -وهو أمرد- وطريف الخادم، فانتبه وهو محمولٌ على فراشه، ورآهم متوجّهين به إلى ناحية دجلة فقال: أتريدون أن تُغرقوني؟ فقالوا: لا، ولكن نَمضي بك إلى القلعة، فقال: غَطوني حتى أنام.

ولما وصل إلى أسفل القلعة حملوه وأصعدوه، وكانت عادته إذا جاء إلى هذه القلعة، وأصعَدَه إليها أهلُها؛ أعطى كلَّ واحد خمسةَ دنانير، فلما رَقوه في هذه النَّوبة وقفوا ينتظرون ما جرت به العادة، ولم يعلموا أنه مَقبوضٌ عليه، فقال لهم: أي شيءٍ تريدون؟! فوالله لقد أصبحت لا أملك لا صَفراء ولا بيضاء، فانصرفوا عنه.

وكان الغَضَنْفَر قد طالب أباه بميراثه من أمه الكردية -وهي فاطمة بنت أحمد بن علي الكردي- فتهدَّد بمكروه، وخاف منه.

ولما بعث به إلى القلعة أمر مَن يَحفظُه أن لا يُجيبه عن شيءٍ يسأله عنه البتّة، وكان قد وَكَّل به في القلعة رجلًا من الأكراد شديدَ البُغْضِ له، وخادمًا كان بهذا الوصف له طَرَده دفعات، وكان إذا سألهما عن خبر أولاده وخبر أبي تَغْلب، وأين هو، وأي شيء يعمل؛ يُجيباه بغير هذا فيقولان: تريد أن تأكل، تريد أن تشرب!؟ فيقول: ليس عن هذا سألتُكم، فيقولون: بهذا أمِرْنا أن نُخاطبك لا غير، فكان هذا أمرَّ عليه من الحبس.

وفي شعبان خُلع على القاضي أبي محمَّد عُبيد الله بن أحمد بن مَعروف، وقُلّد القضاء بالجانب الغربيِّ من مدينة السلام، ومدينة أبي جعفر، وحَريم دار السلطان، وقُلّد القاضي أبو بكر أحمد بن سيار القضاءَ مما بقي من الجانب الشرقي من بغداد، وبعد مُدَيدة قُلد القاضي ابن مَعروف الإشرافَ على الحكماء (١) على ما ذكرنا أنه قُلّده من القضاء (٢).


(١) كذا، وفي المنتظم ١٤/ ١٨٢: الإشراف على الحكم والحكام.
(٢) من قوله: وقبض أبو تغلب الغضنفر … إلى هنا ليس في (ف م م ١).