للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يأخذ الفرخ من البيضة حين يخرج، فإذا مات أخذ غيره، فلم يبق غير واحد. قال له ابن أخيه: يا عم، لم يبق من عمرك إلَّا عمر هذا النَسر. فقال لقمان: هذا لُبَد، واللبد بلسانهم الدَّهر. فلمَّا انقضى عمر النسر مات.

وذى جدي في كتاب "أعمار الأعيان" وقال: لقمان هذا هو الأكبر، وهو ابن عاد بن عاديا من بقيَّة عاد الأولى، وهو صاحب النسور، بعثته عاد مع الوفد إلى الحرم يستسقون فدعوا وسأل هو البقاء، واختار عمر سبعة أنسر كما هلك نسر أخذ مكانه آخر، يأخذ النسر وهو فرخ فيربيه إلى أن يموت، فعاش ألفين وأربع مئة ونيفًا وخمسين سنة (١).

قلت: وقد اختلف الناس في عمر النسر، وعامتهم على أنه يعيش خمس مئة سنة، فعلى هذا قد عاش لقمان ثلاثة آلاف وخمس مئة سنة، ولم يبلغ هذا العمر أحد من بني آدم.

وقيل: إنه عاش ثلاثة آلاف وثمان مئة سنة؛ لأنه كان له قبل أن يأخذ النسور ثلاث مئة سنة. ولمّا وقع لبد قال له لقمان: انهض فلم يقدر ومات، فمات لقمان. وقد ذكره الجوهري في حرف الدال، فقال: ولبد آخر نسور لقمان. قال: وتزعم العرب أنّ لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها، فلمّا أهلكوا خُيِّر لقمان بين بقاء سبع بعرات سُمر، من أظبٍ عُفْر، في جبل وَعْر، لا يمسها القطر، أو بقاء سبعة أنسر، كلما هلك نسر خلف بعده نسر، فاختار النسور، وكان آخر نسوره يسمى لُبَدًا، وقد ذكرته الشعراء قال النابغة: [من البسيط]

أضحَتْ خلاءً وأضحى أهلها احتملوا … أخنى عليها الذي أخنى على لُبَدِ

هذه صورة كلام الجوهري (٢).

[قصة جرت للقمان]

ذكر هشام بن الكلبي عن أبيه قال: كان لقمان مغرىً بحبِّ النّساء، وكان يتزوَّج


(١) "أعمار الأعيان" ص ١٢٩.
(٢) "الصحاح": (لبد)، والنابغة هو الذبياني زياد بن معاوية، والبيت في ديوانه ص ٣١.