وكان المسلمون يَمخرون من أرض العرب إلى دجلة، وليس للفُرس حكمٌ ما بين دجلة والفرات، وخيلُ خالد ما بين الحيرة والأُبُلّة، فأقام على ذلك سنة، وسبُبه موت أردشير بن بابك (١)، فإنه توفي في هذه السنة، واختل ملك الفرس فلما علم خالد باختلافهم كتب كتابَيْن إلى خواصّ الفرس، وكتابًا إلى العامّة، فأما كتاب الخاصة ففيه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس، الحمد لله الذي حَلَّ نِظامَكم، ووَهَّن كيدَكم، فادخلوا في أمرنا نَدعْكم وأرضَكم، ونَجُوز إلى غيركم، وإلا كان ذلك وأنتم كارهون.
وفي الكتاب الآخر: أَسْلِموا تَسلموا، وإلا فأَدُّوا الجِزية. وتهدَّدهم فيه بمعنى ما تقدَّم من كُتبه، ودعا رجلين من السواد، فقال لأحدهما: ما اسمُك؟ فقال: مُرَّة، فقال: خذ هذا الكتاب، وادفعه إلى مَن كُتب إليه، ولعلَّ الله أن يُمِرّ عليهم عيشَهم، وقال للآخر: ما اسمُك؟ قال: هِزْقيل، فقال: اللهمَّ أزهِقْ نفوسَهم، وبعثهما بالكتابَيْن، فلما أَوصلاهما وَجدا القوم مختلفي الكلمة، يَخلعون ويُمَلّكون.
[قصة الأنبار]
وسار خالد إلى الأنبار، فتَحصَّن أهلُها منه، وبعث على مُقدّمته الأقرع بن حابس، وكان بها مَرزبان يقال له: شيرازاد من عظماء الفرس، فصَعِد المرزبان والفرس على السور، وجاء خالد فأحدق بالبلد، وقال للرُّماة: ارشقوهم، واقصدوا عيونهم، فرشَقوهم بالنَّبْل، ففقؤوا عشرة آلاف عين في ساعة، وقيل: ألفُ عين، فسُمَّيت تلك الوقعة ذات العيون، فأرسل المرزبان إلى خالد يَسأله الصُّلحَ على شيء لم يَرضَه خالد، فلم يُجبه، وقال للعسكر: أَلقُوا ما معكم من رَوَايا الإبل في الخندق في أضيق مكان، ففعلوا، فاقتحم خالد الخندق، فبعث إليه المرزبان يسأله الصُّلح، على أن يُلحِقه بمَأْمَنْه وليس معه شيء، فأجابه.
ودخل البلد فوجد فيه أَنابيرَ الطعام من الحنطة والشعير والعنب والتين، وكان