للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أخرجه الحميدي، وقال فيه: "وكانَت سارَةُ من أحسنِ الناسِ (١)، وقال إبراهيمُ: إن يَعلمْ هذا الجبَّارُ أنَّك امرأَتي يغلبْنِي عليكِ. وقامَ إبراهيم إلى الصَّلاةِ، فلمَّا دخَلَت عليهِ لم يَتَمالك أن بَسَطَ يَدَه إليها، فقُبِضَت يدُه قَبضًا شديدًا، فقال لها: ادْعِي الله أن يُطلِقَ يدِي ولا أضرُّكِ، ففعلت، فعادَ حتى فعلَتْ ذلك مِرارًا، فدَعَا الذي جاءَ بها وقَال: إنَّما جئتَني بشيطانٍ، فأخرجْها من أرْضِي … وفيه: فلمَّا عادَتْ قال لها إبراهيمُ: مَهْيَمْ؟ قالت: خير، كفَّ الله يَدَ الفاجِر وأخدَمَ خادِمًا" فقال أبو هريرة: فتلك أمكم يا بني ماءِ السَّماء (٢).

[الكلام على الحديث]

وقد أنكر جماعة من العلماء الكذب على إبراهيم وقالوا: الكذب قبيح على غير الأنبياء، فكيف على أصل الأنبياء؟

والجواب: إن هذا من المعاريض المندوب إلى مثلها، ولو بحث عمَّا قال إبراهيم لكان صدقًا.

فإن قيل: فما معنى امتناع الجبار عنها بقوله: هي أختي، ولو قال: زوجتي كان أمنع لها؟

فالجواب: إن من شرع ذلك الجبار أن من كان له أخت هي زوجته، وهو أحق بها من غيره، ولا تؤخذ منه قهرًا، فقال ذلك إبراهيم خوفًا على نفسه وظنًّا منه أن ينجيه ذلك.

وقوله: "مَهْيَمْ" قال الجوهري: مَهْيَم -بفتح الميم الأولى وإسكان الثانية- كلمة يستفهم بها، ومعناها: ما حالك وما شأنك (٣)؟

وقول أبي هريرة: هي أمُّكم يا بني ماء السماء، يشير إلى العرب؛ لأنَّ أمَّهم هاجر، وهم يسكنون البوادي، ويعيشون بماء المطر.


(١) في (ب): "النساء".
(٢) "الجمع بين الصحيحين" (٢٤١٥)، وهذه رواية مسلم (٢٣٧١).
(٣) "الصحاح": (مهيم).