للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة السادسة والخمسون بعد المئتين]

فيها قدم موسى بن بُغَا سامرَّاء يوم الإثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرَّم، عبَّأ أصحابَه ميمنةً وميسرة، وأقام هو في القلب، وشهرُوا السلاح، ودخلوا المدينة مجمعين على قتل صالح بن وصيف، يقولون: قَتلَ المعتزَّ، وأخذَ أمواله وأموال قبيحة وأموال الكتَّاب، وفعل وفعل، وصاحت العامة في الأسواق بصالح: يا فرعون قد جاءك موسى.

وكان المهتدي قد جلس للمظالم، فطلب موسى الإذنَ عليه، فلم يأذن لهم، فهجمَ بمن معه عليه، أقاموه من مجلسه وحملوه على دابَّة من دواب الشاكريَّة، ومضوا يريدون الكَرْخ، وانتهبُوا ما كان في الجَوْسَق، فلمَّا وصلوا إلى دار ياجور، أدخلُوا المهتدي إليها، وهو يقول لموسى: ويحك يا موسى، اتَّقِ الله، ما تريد؟ فإنَّك قد ارتكبتَ أمرًا عظيمًا. فقال له موسى: والله ما نريدُ إلَّا خيرًا، وتربةِ المتوكِّل، لا نالكَ منَّا سوءٌ البتة. ولو أرادوا به خيرًا لقالوا: وتربةِ المعتصم والواثق.

ولمَّا صاروا به إلى دار ياجور، وأخذُوا عليه العهودَ والمواثيق لا يمالي صالحًا عليهم، ولا يضمرُ لهم سوءًا، ويكون باطنه مثل ظاهره، فحلف، وجدَّدوا له البيعةَ ليلة الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرَّم.

وأصبحوا يوم الثلاثاء، فبعثُوا إلى صالح أنْ يحضرهم للمناظرة، فوعدَهم أن يصير إليهم، فقيل لبعض الفراغنة: ما الذي تريدون منه؟ قال: دماء الكتَّاب، ودم المعتزّ، وما أخذ منه ومن كتَّابه ومن أمِّه.

وأصبحَ صالح يوم الأربعاء فاستتر، وأقيمَ النداءُ عليه، ورُدَّ المهتدي إلى الجَوْسَق (١).

ولثمانِ ليالٍ بقينَ من صفر قُتِل صالح بن وصيف. وسببُ قتله أنَّه لمَّا كان يومُ الأربعاء لثلاثٍ بقين من المحرَّم، أُظهر كتابٌ ذكرَ أنَّ سيما الشرابي زَعَمَ أنَّ امرأةً


(١) انظر تاريخ الطبري ٩/ ٤٣٨ - ٤٤٠.