فأراده على البيعة وخَلْع أبي جعفر، فلم يُجبه، وقال: الأصل لعمِّي أبي جعفر، ولو قدَّمني عليه عمِّي أبو العباس لقدَّمتُه على نفسي، فقال: والله ليَعزِلنَّك من ولاية العهد ويقتلني. وبلغ أبا جعفر فازداد على أبي مسلم حَنَقًا.
ولما عاد أبو جعفر من الحج اعترضته أعرابية، فقالت: يا أمير المؤمنين، أحسَنَ الله لك العزاءَ عن أخيك، ومتَّعك بالخلافة، ولقد أحسن إليك في الحالين، وأعظم لك النعمةَ في المنزلتين، سلبَكَ خليفةً، وأفادك خلافةً، فاحتسبْ عند الله ما سلبكَ، واشكُر له ما منَحَك. فأُعجب بكلامها، ووَصَلَها.
وقال الهيثم: لما عاد أبو جعفر إلى الكوفة نزل الحِيرة، وصلَّى بالناس الجمعة، ثم سار إلى الأنبار في المحرَّم، فوجد عيسى بنَ موسى قد أحرز الأموال والخزائن والدواوين، فسلَّم إلى أبي جعفر جميعَ ذلك وبايعه، وجعلَه أبو جعفر وليَّ عهده من بعده، وأكَّد الأَيمانَ والعهود، ثم أقام أبو جعفر وأبو مسلم بالأنبار لينظر ما يكون من عبد الله بن عليٍّ.
ذكرُ عصيان عبد الله بن عليٍّ
لما تُوفي السفَّاح كتب إليه عيسى بن موسى كتابًا يخبره بوفاته، وأنه عهِدَ إلى أخيه أبي جعفر، ويأمره بأخذ البيعة له على الناس، وبعث بالكتاب مع أبي غسَّان يزيد بن زياد حاجبِ السفاح، فوافاه وقد قارب درب الروم يُريد الغزو، فجمع الناسَ وقرأ عليهم الكتاب، وقال: إنَّ أبا العباس قال لأهله وأنا حاضرٌ: مَنْ قتل مروان فهو وليُّ عهدي، فلم يُجبه غيري، فقال لي: إن قتلتَه فأنتَ وليّ عهدي، وقد قتلتُه، وأنا أولى، فبايِعوني، فقام جماعةٌ من قوَّاد خراسان فشهدوا له، منهم خفاف المروزيُّ، وأبو عاصم الطائيُّ، فبايعوه إلا نفرٌ يسير، وكان فيمن بايعه حُمَيد بنُ قحطبة، ثم عاد إلى حرَّان وبها مقاتل العكّي، فتحصن بقلعة حرَّان، فحصره واستنزله، وقال: عصيتَ عليَّ، وأمرَ بضرب عنقه (١).
وقال البلاذريُّ: لما بعث عيسى بنُ موسى بالكتاب مع أبي غسَّان وقرأه، وادَّعى