للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحيى بن محمود بن جمهور وزير الدولة الأموية قد سلَّم طُلَيطِلة إلى ألفنش ملك الفرنج، وكان يوسف بن تاشفين أمير المرابطين الملثَّمين قد بنى مراكش وأقام فيها، وشَنَّ ألفنش فيها الغارات على جزيرة الأندلس، فكتب عبَّاد بن محمد بن إسماعيل إلى يوسف بن تاشفين يستنجد على ألفنش، فعبر زقاق سبتة إلى الأندلس ومعه عساكره، واتَّفق [مع] (١) عباد، وسار نحو ألفنش إلى موضع يقال له: الزلَّاقة، والتقوا، فكانت الدَّبَرةُ على الفرنج، فحصدوهم حصدًا، ووقعةُ الزلَّاقة مشهورة، وكانت في سنة تسع وسبعين وأربع مئة، وأقام عبَّاد بن محمد بالأندلس، فلم يَزلْ بها حتى قويَ عليه يوسف بن تاشفين وأخرجه منها.

[السنة الحادية والستون والأربع مئة]

فيها في المُحرَّم وردت الأخبار بأن ناصر الدولة بن حمدان خرج يومًا من عند الوزير أبي عبد الله الماسكي وزير مصر، فوثب عليه رجلٌ صيرفيٌّ وضربه بسكين فشقَّ بطنه وقُتِلَ في الحال، وحُمِلَ ابنُ حمدان إلى داره وقد خرج ثَرْبُه (٢) ويئس منه، وعُولج فبَرِئ بعد مدة، وأشار أنَّ صاحب مصر ووالدته نَشَآ الصيرفيَّ عليه، وبذلا له أموالًا، وحمل المشارقةَ على خلع الطاعة، وأنَّ صاحب مصر سخُف أمرُه واضمحلَّ، وتشاغل باللهو والطرب والشرب، وسار ابنُ حمدان مع مُقدَّمي المشارقة؛ سنان الدولة وسلطان الجيوش وغيرهما، فحصروا القاهرة، فتوصَّل صاحبُ مصر ووالدتُه وأخيه إلى أن أرسلوا إلى مصر من استنفر لهم العامَّة، واستصرخهم وأذكرهم حقوقَهم عليهم، وأوعدهم الإحسان إليهم، فثاروا إلى دور ابن حمدان فنهبوها وأحرقوها، وإلى دور المتعلِّقين عليه ففعلوا بهم كذلك ونقضوها، وأعلنوا بدعوة صاحب مصر، وعرف المشارقة ذلك، فخافوا على منازلهم وأهلهم وأموالهم، فعادوا إلى الطاعة، ورجعوا إلى مصر، وأظهر مُتقدِّمو المشارقة إنكارَ ما فعله ابنُ حمدان، وقالوا: أُكرِهْنا عليه، وخِفْنا منه، وكانوا لكثرة أموالهم يخافون من صاحب مصر، فأطاعوا ابنَ حمدان.


(١) ما بين حاصرتين من (ف).
(٢) الثَّرْب: شحم رقيق يُغشِّي الكرش والأمعاء. المعجم الوسيط (ثرب).