بحديثها، فقمتُ فَرِحًا لأفتضَّها فوجدتُها حائضًا، فضاق صدري لهذا، فأخذ الزجَّاج الدَّواة وكتب: [من المديد]
فارسٌ ماضٍ بحَرْبته … حاذِقٌ بالطَّعْنِ في الظُّلَمِ
رامَ أن يُدمي فَريسَتَه … فاتَّقَتْهُ من دَمٍ بدمِ
واجتاز الزجَّاج يومًا ببغداد، وكان النَّيروز، فرش عليه بعضُ الصبيان الماء فنفضَه من ثيابه وقال: [من الطويل]
إذا قلَّ ماءُ الوَجهِ قل حياؤُه … ولا خيرَ في وجهٍ إذا قلَّ ماؤه
وجرى بينه وبين رجلٍ من أهل العلم شرّ، فشتَمَه الزجَّاج، فكتب إليه الرجلُ: [من الوافر]
أبي الزجَّاجُ إلَّا شَتْمَ عِرضي … ليَنْفَعَه فآثَمَهُ وضَرَّهْ
وأُقسِمُ صادقًا ما كان حُرُّ … ليُطلِقَ لفظةً في شَتْم حُرهْ
فلو أنِّي كرَرْتُ لفرَّ مني … ولكنْ للمَنونِ علي كَرهْ
فأصبحَ قد وقاه الله شَرِّي … ليومٍ لا وَقاهُ الله شرَّهْ
وبلغَ الزجَّاجَ، فمشى إليه راجلًا واسترضاه، وسأله الصَّفْحَ فصفح عنه.
وتوفي الزجَّاج يوم الجمعة في جُمادى الآخرة ببغداد، وأخذ النحوَ عن المبرد وغيره، ولم تظهَر له روايةُ حديث.
أحمد بن حَمدان
ابن علي بن سِنان، أبو جعفر، الحِيريُّ، الزَّاهد، النَّيسابوري (١).
كان من الأبدال، مُجابَ الدَّعوة، وصنَّف كتاب "الصحيح" على شرط مسلم، فعَازَه أحاديثَ ليتِمَّه، فسافر إلى البلاد بهذا السبب، وعاد إلى نيسابور فتوفي بها.
روى عنه ابناه محمد وأبو عمرو، وأبو عليّ الحافظ وغيرُهم، وحديثه بنيسابور، ولقي أبا حَفْص وغيرَه.
(١) تاريخ بغداد ٥/ ١٨٥، وطبقات الصوفية ٣٣٢، والمنتظم ١٣/ ٢٢٣، والسير ١٤/ ٢٩٩، وتاريخ الإسلام ٧/ ٢٣٩.