وكان من الأَجواد الممدَّحين، وأوَّل ما عُرف من شرفه أنَّ أباه تُوفِّي وهو غلام وخلَّف دَينًا عليه أربعةَ آلافِ دينار، فحلف ألا يُظلَّه سقفٌ حتَّى يقضيَ دَينَ أَبيه، فقضاه، ومات على خمسة أميالٍ من مكَّة، وقيل: بالمدينة، وهو ابنُ خمسٍ وثمانين سنة، وكان له من الولد: محمَّد، والقاسم، وأمُّ كلثوم، تزوَّجها السفَّاح، فوَلدت له غلامَين هلكا صغيريد، وأمُّهم أمُّ سلمةَ بنتُ حسينٍ الأَثرم بنِ حسن بن عليِّ بن أبي طالب، وعليّ، وإبراهيم، وزيد، وعيسى، وأمّهم أمُّ ولد، وإسماعيل، وإسحاق لأمِّ ولد، وعبدُ الله، وأمُّه رَباب بنت بِسطام من بني شيبان.
أَسند الحسنُ عن أَبيه وعن عكرمةَ وغيرِهما، وروى عنه محمدُ بن إسحاقَ ومالكُ بن أنسٍ وابنُ أبي ذِئْب وغيرُهم، وكان ثقةً صدوقًا رحمه اللهُ تعالى.
حمَّاد بن سَلَمة
أبو سلمةَ البَصْرِيّ، مولى بني تميم. من الطَّبقة الخامسةِ من أهل البصرة، وهو ابنُ أخت حُميدٍ الطَّويل، وكانا يقصَّان على النَّاس. وكان حمادٌ زاهدًا عابدًا صالحًا، لو قيل له: إنَّك تموت غدًا، ما زاد في العمل شيئًا.
وقال مقاتلُ بن صالح: دخلت على حمَّاد، فإذا هو جالسٌ في البيت على حصيرٍ ليس فيه غيرُه ومصحفٌ يقرأ فيه، وجِرابٌ فيه عِلْمه، ومِطهرةٌ يتوضَّأ فيها. فبينا أنا جالسٌ عنده إذ دقَّ البابَ داقّ، فقال: يَا صَبيَّة، اُخرجي فانظري مَن هذا، فخرجت وعادت، وقالت: رسولُ محمدِ بن سليمان، فأَذن له، فدخل فناوله كتابًا فيه: من محمدِ بن سليمانَ إلى حمادِ بن سَلَمة، سلامٌ عليك، أما بعد: فصبَّحك اللهُ بما صبَّح به أولياءَه وأهلَ طاعته، قد وقعت مسألةٌ فأْتِنا لنسألَك عنها، والسلام. فقال مقاتل: قال لي: اقلبْ الكتاب، فقلبتُه، فقال: اكتب، فكتبت: أمَّا بعد: وأنت صبَّحك اللهُ بما صبَّح به أولياءه وأهلَ طاعته، إنَّا أدركنا العلماءَ وهم لا يأتون أحدًا، فإن كانت وقعت مسألةٌ فأْتنا وسلْ عمَّا بدا لك، ولا تأتِني إلَّا وحدك، ولا تأتني بخَيلك ورَجِلك، فإنِّي لا أَنصح لك، والسلام.
قال: فبينا أنا عنده إذ جاء محمدُ بن سليمان، فقال للصَّبية: قولي له لا يَدخل إلَّا وحده، فدخل وسلَّم وجلس بين يديه وقال: ما لي إذا نظرتُ إليك امتلأتُ رعبًا؟! فقال