الناس وأنا مُعتزِلٌ أمورَهم فقالوا: إن الأمة لا ترضى إلا بك، فإن أبيت فعلنا بك كما فعلنا بعثمان، فبايعوني، فلم يَرُعْني إلا خلافُ طلحة والزبير وعائشة، فجرى ما جرى، وخالفني معاوية الَّذي لم يجعل الله له سابقةً في الإسلام، ولا سلفَ صِدْق في الدّين، طَليقُ بنُ طليق، لم يزلى هو وأبوه معاندَين لله ورسوله، دخلا في الإسلام مُكرَهَين، وخرجا منه طائعَين، وقد تركتُم أهلَ بيت نبيّكم ﷺ وتبعتموه، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله.
فقال معن: اشْهَد أن عثمان قُتل مظلومًا، فقرأ أمير المؤمنين: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: ٨٠، ٨١]، فقام معن وخرج.
وحدّثنا مشايخنا عن محمد بن ناصر بإسناده إلى عدي بن حاتم قال: قلتُ لعليّ وهو واقف في سبع مئة من ربيعة: يا أمير المؤمنين، ألا تروح إلى القوم فإما لنا وإما علينا، فقال: يا عدي، إن معاوية معه قومٌ يُطيعونه، وأنا معي قوم يعصوني، قال: فرحمتُه والله، وسنذكر هذا المعنى فيما بعد.
[ذكر بداية القتال]
وقفت على تاريخ بالشام منسوب إلى أبي جعفر الطبري، والظاهر أنَّه ليس من تصانيفه، يذكر فيه أنهم لم يزالوا يتراسلون شهرا ربيع وجمادى الأولى، وأنهم اقتتلوا في أولى جمادى الآخرة، وليس هذا بشيء، والأصح أنهم اقتتلوا أوّلى صفر.
قال علماء السير: ولما انفصل حَبيب ومعن عن أمير المؤمنين أمر مَرْثَد بن الحارث الجُشَمي فنادى: يا أهلَ الشام، إنا دعوناكم إلى الحقّ وقد أبيتُم، وإني قد نَبذتُ إليكم على سواء، إن الله لا يُحبُّ الخائنين (١).
وقال أبو مخنف: وأوصى علي ﵇ أصحابه فقال: لا تبدؤوهم بقتال حتَّى يبدؤوكم، وإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مُدبِرًا، ولا تُجهِزوا على جَريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تُمثّلوا، ولا تهتكوا سترًا، ولا تأخذوا شيئًا من أموالهم إلا ما وجدتم في