وكان في القافلة أعيانُ أصحاب السلطان، ومعهم الخزائنُ والجواهرُ والأموالُ وشَمْسةُ الخليفة، فوصلوا إلى فَيْد، وبلغهم خبرُه فأقاموا ينتظرون عسكر السلطان، فلم يَرِد إليهم أحد، فساروا فوافاهم بالهَبِير، وقاتلهم يومًا إلى الليل، ثمَّ عاودهم القتال في اليوم الثاني، فعطشوا واستسلموا، فوضع فيهم السيفَ، فلم يُفْلِت منهم إلَّا اليسيرُ، وأخذ النساء والأموال أعظم من القافلة الأولى.
وبلغ المكتفي فندب لقتاله وصيف بن صُوارتكين ومعه الجيوشُ والقُوَّاد، وكتب إلى بني شيبان أن يوافوه، فجاؤوا في ألفين ومئتي فارس، وسلكوا على طريق خَفَّان، فلقيه وصيف يوم السبت لأربعٍ بقين من ربيع الأوَّل (١)، فاقتتلوا، ثمَّ حجز بينهم الليلُ، وأصبحوا على القتال، فنصر الله وَصيفًا وبني شيبان، فقتلوا عامَّةَ أصحاب القرمطيِّ الرجال والنِّساء، وخلَّصوا المسلمات والأموال، وخَلَص بعضُ الجند إلى زَكْرويه فضربه وهو مولٍّ على قفاه ضربةً خَلَصت إلى دماغه، وأخذه أسيرًا، وخليفتَه، وخواصَّه، وأقرباءَه، وابنَه، وكاتِبَه، وامرأتَه، واحتوى الجندُ على ما في عسكره، وعاش زكرويه خمسة أيام ثمَّ مات، فشقّوا بطنَه، وحُمِل إلى بغداد على هيئته، وقدم به وبالأسارى، فقُتِّلوا وأُحرقوا.
وقيل: إنَّ الذي جرح زَكْرويه وصيف، ضَرَبه بالسيف فخالط دماغه، وتمزَّق أصحابُه في البريَّة، فماتوا عطشًا وجوعًا. [وقيل: إنَّ هذا العام يسمَّى عامَ الهرير؛ لأنَّ الوقعة كانت عنده].
وحجَّ بالنَّاس الفضلُ بن عبد الملك أَيضًا.
وفيها تُوفِّي
مُحَمَّد بن نَصْر
أبو عبد الله، المَرْوَزيُّ، الفقيه.
أحد الأئمة المشهورين، والمصنِّفين المذكورين [ذكره الأئمة وأثنوا عليه.
(١) في الطبري ١٠/ ١٣٤، والكامل ٧/ ٥٥١، والمنتظم ١٣/ ٥٠: يوم السبت لثمان بقين من شهر ربيع الأول، والمثبت موافق لما في تاريخ الإِسلام ٦/ ٨٦٨.