وقال نوف البكالي: كان طول سرير عوج ثمان مئة ذراع وعرضه أربع مئة ذراع. ولما ضربه موسى خرَّ على نيل مصر فجسره الناس سنة يمرون على أضلاعه وصلبه.
قلت: والعجب من الثعلبي ومن نوف كيف يرويان مثل هذا الكلام الذي تنفِر منه العقول السليمة، والواقعة كانت بأريحا وأين نيل مصر؟ وعلى تقدير ما حكى الثعلبي عن ابن عمر أن طوله ثلاثة وعشرون ألف ذراع يكون طوله أقل من فرسخين، لأن الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع وبين أريحا ومصر مئة فرسخ وزيادة.
وروي عن بشر الحافي أنه قال: كان التجار في البحر يخافون منه فيعدُّون له كُرَّين من الدقيق فيخبزه مَلَّتَيْنِ فيأكلهما، فهذا كافرٌ يطعمه الله هذا في كلِّ يوم فكيف يُضيعُكَ وأنت تعبده وقوتُك رغيف أو رغيفان.
وقال وهب بن منبه: وكانت أمه عناق أول من بغى على وجه الأرض، وكانت كل إصبع من أصابعها ثلاثة أذرع في عرض ذراعين، وفي كل إصبع ظفران من حديد مثل المناجل، وكان مكان جلوسها مقدار جريب، ولما استمرت على البغي بعث الله سبحانه عليها أُسودًا وذئابأ فمزقتها (١).
[فصل في نتق الجبل عليهم]
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾. قال ابن عباس: لما أنزل الله عليهم التوراة أبَوْا أن يقبلوها لأن أحكامها ثقلت عليهم، فرفع الله عليهم جبلًا بمقدار عسكرهم، وكانوا ست مئة ألف، وقال لهم: إن لم تقبلوها وإلا ألقيتُ عليكم هذا الجبل. ومعنى الظلة: كل شيء أظلك ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ أي: عليهم ﴿خُذُوا﴾ تقديره: وقلنا لهم: خذوا ﴿مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف: ١٧١] أي: بجدٍّ واجتهاد.
وقال الحسن البصري: فسجد كلُّ واحد منهم على حاجبه الأيسر، ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل مخافةَ أن يسقط عليه، فلذلك ليس في الدنيا يهودي إلا ويسجد على حاجبه الأيسر ويقول: هذه السجدة التي رفع الله بها عنا العذاب.