ويقال لها: سنة الملوك. ماتَ صلاحُ الدين، وبَكْتَمُر شاه أرمن، وعز الدين صاحبُ المَوْصل.
وفيها بنى الخليفة دارًا للكتب بالمدرسة النِّظامية، ونقل إليها عشرة آلاف مجلَّدة، فيها المخطوط المنسوبة.
وفيها تمَّ بناء دار الحريم الطَّاهري والرِّباط، ونقل إليها المخطوط المنسوبة، ورتَّب في الرِّباط عشرة من الصُّوفية [الأخيار أرباب المجاهدات، ورتَّب فيه طعامًا كل يوم خارجًا عن راتب الصوفية](١)، وكان الخليفةُ كلَّ يوم يتردَّد إلى الرِّباط المذكور، فيوم لا يحضر يحمل راتبه إلى الصُّوفية، وولى الرِّباط بهاء الدين أحمد المِيهَني؛ شيخ رباط الإخلاطية.
ويقال: إنَّ سببَ عمارة دار الحريم والرِّباط أَنَّه قَدِمَ إلى بغداد رجل بَلْخي اسمه محمد، وكان من الأبدال، يأوي إلى مقابر الإمام أحمد -رحمة الله عليه- ويصوم ويتقوت بالخبازى، ولا يكلِّم أحدًا [من خلق الله تعالى](١).
قال المصنف ﵀: وكنتُ وأنا صبي أتردَّدُ إلى مقابر الإمام أحمد -رحمة الله عليه- في شِدَّة الحرِّ على وَجْه السِّياحة، وكنتُ أراه يكنُ من الحر في القباب، فأحببتُه، وأنس بي، وكان الخليفةُ النَّاصر يتردَّد إلى زيارته، فبلغني أَنَّه ما بنى الرِّباط إلا له، وسأله أن يدخله، فأبى، وأقام في المقابر إلى سنة ست وتسعين وخمس مئة، ولم أره بعد ذلك.
وفيها فتحت المدرسة إلى جانب تربة والدة الخليفة عند معروف الكرخي، وحَضَرَ أرباب الدولة، وعُمل سماط عظيم، وسُلِّمت إلى النَّوْقاني، فدرَّس بها.
وفي ليلة عيد النحر ظهر ببغداد نار عظيمة من جانبها الشَّرقي، فأضاء منها الأفق وبهر ضوءها، وأقامت طول الليل، وظهر عمود من السماء إلى الأرض عرضه مقدار ثلاثة رماح.