للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ امتحن الباقين وكتب بجواباتهم إلى المأمون، فجاء جوابه يقول: [قد عرف] (١) أميرُ المؤمنين ما ذهب إليه مُتَصَنِّعة أهل القِبْلة، وملتمسو الرِّئاسة، فمن لم يقلْ منهم: إنَّ القرآنَ مخلوق، فمُرْهُ بالإمساك عن الحديث والفتوى، وأما بشرُ بن الوليد، فإن أجاب إلى خلق القرآنِ، وإلَّا فاضرب عُنقَه وابعث برأسه إليّ، وأما عليُّ بن أبي مقاتل، فقل له: ألست المكلِّمَ (٢) لأمير المؤمنين بما كلَّمته به من قولك: إنك تحلِّل وتحرِّم؟ وأما الذَّيَّال، فأَعلِمْه أن أميرَ المؤمنين قد عرف مقالتَه، واستدلَّ على آفته وجهله، وأما الفضلُ بن غانم، فأَعلِمه أنَّه لم يخفَ على أمير المؤمنينَ ما خان فيه من الأموال بمصر. ثمَّ ذكر لكلِّ واحدٍ منهم عيبًا، وقال في كتابه: ومَن لم يرجعْ منهم عن شِركه، فاحمِلْهم جميعًا موثَقين إلى عسكر أميرِ المؤمنين ليَعرِضَهم على السيف.

فعرض عليهم إسحاقُ ما قال المأمون، فأجاب الكلُّ إلا أربعة: الإمامُ أحمد بن حنبل، وسَجَّادة، والقواريري، ومحمدُ بن نوح. فأمر بهم إسحاقُ فشُدُّوا في الحديد، فلمَّا كان من الغد، دعاهم فأعاد عليهم المِحنة، فأجاب سَجَّادةُ وخلَّى سبيلَه، ثمَّ أعاد القول، فأجاب القواريريُّ فأَطلقه، وأصرَّ الإمام أحمدُ ومحمدُ بن نوح، فشُدُّوا في الحديد وبُعث بهما إلى طَرَسُوس، فلمَّا وصلا إلى الرقَّة بلغتهم وفاةُ المأمون، فرُدُّوا إلى بغداد، فأمرهم إسحاقُ بلزوم منازلِهم، ورخَّص لهم بعد ذلك في الخروج.

وتوفِّي المأمونُ في هذه السَّنة، ووَلِي أخوه أبو إسحاقَ بنُ الرشيد.

الباب الثامنُ في ولايته

واسمُه محمَّد، ولقبه المعتصمُ بالله، وأمُّه ماردةُ بنت شبيب، من مولَّدات الكوفة، لم تُدرك خلافته، وكانت حَظيَّة عند الرشيد، أولدها أبا إسحاقَ وأبا إسماعيل وأمَّ حبيب.

[واختلفوا في مولد المعتصم، فحكى الصوليُّ أنَّه] (٣) وُلد بالرافقة في شعبانَ سنةَ


(١) ما بين حاصرتين من (ف).
(٢) في (خ) و (ف): الكلام. والمثبت من المنتظم ١١/ ٢٣. وفي تاريخ الطبري ٨/ ٦٤١: ألست القائل. . .
(٣) ما بين حاصرتين من (ب). ولم نقف على قول الصولي هذا.