للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان أحمد مُمدَّحًا، مدحه البُحتريُّ وغيرُه (١).

أماجور التركيُّ

ذكره أبو الحسين الرَّازيُّ في أمراء دمشقَ في أيَّام المعتمِد على الله، وكان (٢) مَهيبًا شجاعًا، أَمِنَت الطُّرق في أيَّامه والحُجَّاج، وجعل الشَّامَ مثلَ المَهْد.

[وحكى الحافظ (٣) عن أبي الحسين الرَّازي قال:] بعث [أماجورُ] مرَّةً جنديًّا إلى أذرِعات في رسالةٍ، فنزل اليرموكَ، فصادف أعرابيًّا في قرية، فجلس الجنديُّ [إليه، فمدَّ الأعرابي يدَه، فنتف من سِبال (٤) الجنديِّ] خَصلتين، وعاد الجنديُّ إلى دمشقَ، وبلغ الخبرُ أماجورَ التركيَّ، فدعاه وسأله عن القصَّة فاعترف، فأمر بحبسه، ثمَّ استدعى بمعلِّم الصِّبيان، فأعطاه مالًا وقال له: اذهبْ إلى المكان الفلانيِّ وأَظْهِرْ أنَّك تعلِّم الصِّبيان، ولابدَّ أن ترى الأعرابيَّ هناك، فإنْ رأيتَه فشاغِلْه، وأعطاه طيورًا، وقال: عرِّفني الأخبارَ يومًا بيوم، فخرج الرجلُ وأتى إلى القرية، فجلس يعلِّم الصِّبيان ستَّة أشهر، ويبحث عن الأعرابي حتَّى عرفه، وجاء الأعرابي، فقال المعلِّم لأهل القرية: شاغلوه، وأطلق الطيورَ إلى دمشقَ، فركب أماجورُ بنفسه من دمشقَ إلى اليرموك [في] يومٍ واحد، وأحاط بالقرية، وأخذ الأعرابيَّ مَكتوفًا معه، فلمَّا دخل دمشقَ أحضره وقال: ما حملك على أنْ رأيت رجلًا من أولياء السُّلطان في قريةٍ، ما تعرَّض لك أن تنتفَ سِباله؟ قال: كنتُ سَكرانًا لم أعقل، فأمر بنتفِ كلِّ شعرةٍ فيه من أجفانه [وحاجبيه] ولحيته ورأسه، فما ترك عليه شعرة [إلا نتفها]، وضربه ألف سوط، وقطع يديه ورجليه، ثمَّ صلبه، وأخرج الجنديَّ من الحبس، فضربه مئةَ سوطٍ، وطرده عن الخدمة، وقال: أنت ما دافعتَ عن نفسكَ، فكيف تدافعُ عنِّي لو احتجتُ إليك؟

[قال الرازيُّ:] ولمَّا مات أماجور رُئيَ في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي. فقيل: بماذا؟ قال: بحفظي طُرُقات المسلمين والحُجَّاج.


(١) ذكر الأبيات ابنُ العديم في بغية الطلب ٢/ ٧٠٦، والصفدي في "الوافي بالوفيات" ٦/ ٢١٠.
(٢) في (خ) و (ف): أماجور التركي: أمير دمشق في أيام المعتمد كان. . .، والمثبت من (ب).
(٣) في تاريخ دمشق ٣/ ٨٩.
(٤) السِّبال: ما ظهر من مقدَّم اللحية بعد العارضين. اللسان (سبل).