للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال صدقة الحَدَّاد الحَنْبلي (١) في "تاريخه": إنَّ الوزير أبا القاسم بن طِراد صدَّر محضرًا على الرَّاشد فيه أنواعٌ من الكبائر ارتكبها من الفسق والفجور، ونكاح أُمهات أولاد أبيه، وأخذِ أموال النَّاس، وسَفْكِ الدِّماء، وأنه فعل أشياءَ لا يجوز أن يكون معها إمامًا، فتوقف الشُّهود، فتهدَّدهم ابنُ طِراد، وقال: عَلِمْتُم صحة هذا وتيقنتموه، فما المانع من إقامة الشهادة؟ فشهدوا، ومن جُمْلة من شهد فيه ابن الكَرْخي، وابن البَيضاوي، وابن الهِيْتي، ونقيب الطَّالبيين، وابن الرَّزَّاز (٢)، وابن شافع الحنبلي، وحكم بخلعه يوم الاثنين ثامن عشرة ذي القعدة، وولّوا المقتفي.

الباب الحادي والثلاثون في خلافة المقتفي لأمر الله محمد بن المستظهر، أخو المسترشد، عَمّ الرَّاشد

وكنيته أبو عبد الله، ومولده في ربيع الأَوَّل سنةَ تسعٍ وثمانين وأربع مئة. وأمه نسيم أُمّ ولد مولَّدة صفراء وتلقب بستِّ السَّادة، وقيل: اسمها عذار، وكان يضرب بها المَثَلُ في الكَرَم والفَضْل، وسنُّ المقتفي يومئذٍ اثنتان وأربعون سنة، واستوزر ابن طِراد.

وإنَّما لُقِّب بالمقتفي لأَنَّه رأى النَّبيَّ في منامه قبل أن يلي الخلافة بستة أيام، وهو يقول له: ستلي هذا الأمر، فاقتفِ بي.

ولما ولي مضت خاتون المستظهرية إلى دار السُّلْطان لتسأله في أولاد الرَّاشد وجواريه وحُرَمه وأمواله، فرجعت وقد بَعَثَ مَنْ أخذ جميعَ ما في الدَّارِ من الذَّهب والفِضَّة والجواهر والخيل والثياب والحُصُر، ولم يدع في الإسطبل سوى أربعةِ أفراس، وثلاث بغال لنقل الماء. وكان قد تقرَّر على المقتفي مال البيعة، فأخذ الجميع عِوَضًا عن ذلك، وطولب المقتفي بمالٍ، فقال: قد أخذتم جميعَ ما كان في الدَّار حتى الحُصُر، فمن أين لي مال؟ وعَرَضَ عقاره، فلم يتجاسر أحدٌ أن يشتريه.


(١) هو صدقة بن الحسين، وقد توفي سنة (٥٧٣ هـ)، وستأتي ترجمته في وفياتها.
(٢) في (ع) و (ح): الروان، والمثبت من "المنتظم": ١٠/ ٦٠.